[ ص: 55 ] ومن سورة " البقرة "
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله - تبارك وتعالى -:
nindex.php?page=treesubj&link=28908_32450_34237nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ؛ زعم
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة ؛ معمر بن المثنى ؛ أنها حروف الهجاء؛ افتتاح كلام؛ وكذلك " المر " ؛ و " المص " ؛ وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13676أبو الحسن الأخفش أنها افتتاح كلام؛ ودليل ذلك أن الكلام الذي ذكر قبل السورة قد تم؛ وزعم
قطرب أن: " الم " ؛ و " المص " ؛ و " المر " ؛ و " كهيعص " ؛ و " ق " ؛
[ ص: 56 ] و " يس " ؛ و " نون " ؛ حروف المعجم؛ ذكرت لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة؛ التي هي حروف " أ ب ت ث " ؛ فجاء بعضها مقطعا؛ وجاء تمامها مؤلفا؛ ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن أنه بحروفهم التي يعقلونها؛ لا ريب فيه.
ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أنه قال: لله في كل كتاب سر؛ وسره في القرآن حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور؛ ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ثلاثة أوجه في " الم " ؛ وما أشبهها ، فوجه منها أنه قال: أقسم الله بهذه الحروف أن هذا الكتاب الذي أنزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الكتاب الذي عنده - عز وجل -؛ لا شك فيه ، والقول الثاني عنه أن " الر " ؛ و " حم " ؛ و " نون " ؛ اسم للرحمن - عز وجل -؛ مقطع في اللفظ؛ موصول في المعنى؛ والثالث عنه أنه قال: " الم " ؛ معناه: " أنا الله أعلم " ، و " الر " ؛ معناه: " أنا الله أرى " ،
[ ص: 57 ] و " المص " ؛ معناه: " أنا الله أعلم وأفصل " ؛ و " المر " ؛ معناه: " أنا الله أعلم وأرى " ؛ فهذا جميع ما انتهى إلينا من قول أهل اللغة؛ والنحويين؛ في معنى " الم " ؛ وجميع ما انتهى إلينا من أهل العلم بالتفسير.
ونقول في إعراب " الم " ؛ و " الر " ؛ و " كهيعص " ؛ وما أشبه هذه الحروف: هذا باب التهجي.
[ ص: 58 ] [ ص: 59 ] هذا باب حروف التهجي
وهي: الألف؛ والباء؛ والتاء؛ والثاء؛ وسائر ما في القرآن منها؛ فإجماع النحويين أن هذه الحروف مبنية على الوقف؛ لا تعرب؛ ومعنى قولنا: " مبنية على الوقف " : أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها ، فالنطق: " ألف لام ميم ذلك... " ؛ والدليل على أنك تقدر السكت عليها جمعك بين ساكنين في قولك: " لام " ؛ وفي قولك: " ميم " ؛ والدليل على أن حروف الهجاء مبنية على السكت؛ كما بني العدد على السكت؛ أنك تقول فيها بالوقف؛ مع الجمع بين ساكنين ، كما تقول إذا عددت: " واحد؛ اثنان؛ ثلاثه؛ أربعه... " ؛ ولولا أنك تقدر السكت لقلت: " ثلاثة " ، بالتاء؛ كما تقول: " ثلاثا يا هذا " ؛ فتصير الهاء تاء مع التنوين؛ واتصال الكلام؛ وحقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر ، زعم
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنك أردت أن المعجم حروف يحكى بها ما في الأسماء المؤلفة من الحروف؛ فجرى
[ ص: 60 ] مجرى ما يحكى به؛ نحو " غاق " ؛ و " غاق يا فتى " ، إنما حكى صوت الغراب؛ والدليل أيضا على أنها موقوفة قول الشاعر:
أقبلت من عند زياد كالخرف ... تخط رجلاي بخط مختلف
تكتبان في الطريق لام الف
كأنه قال: " لام ألف " ، بسكون " لام " ؛ ولكنه ألقى حركة همزة " ألف " ؛ على الميم؛ ففتحها؛ قال
أبو إسحاق : وشرح هذه الحروف وتفسيرها أنها ليست تجرى مجرى الأسماء المتمكنة ، والأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب؛ وإنما هي تقطيع الاسم المؤلف الذي لا يجب الإعراب فيه؛ إلا مع كماله؛ فقولك: "
جعفر " ؛ لا يجب أن تعرب منه الجيم؛ ولا العين؛ ولا الفاء؛ ولا الراء؛ دون تكميل الاسم؛ فإنما هي حكايات وضعت على هذه الحروف؛ فإن أجريتها مجرى الأسماء؛ وحدثت عنها؛ قلت: " هذه كاف حسنة " ؛ وهذا كاف حسن " ؛ وكذلك سائر حروف المعجم؛ فمن قال: " هذه كاف " ؛ أنث لمعنى الكلمة؛ ومن ذكر فلمعنى الحرف؛ والإعراب وقع فيها لأنك تخرجها من باب الحكاية؛ قال الشاعر:
كافا وميمين وسينا طاسما
[ ص: 61 ] وقال أيضا:
كما بينت كاف تلوح وميمها
ذكر " طاسما " ؛ لأنه جعله صفة للسين؛ وجعل السين في معنى الحرف؛ وقال: " تلوح " ؛ فأنث الكاف؛ ذهب بها مذهب الكلمة؛ قال الشاعر - يهجو النحويين؛ وهو يزيد بن الحكم -:
إذا اجتمعوا على ألف وواو ... وياء لاح بينهم جدال
فأما إعراب " أبي جاد " ؛ و " هوز " ؛ و " حطي " ؛ فزعم
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن هذه معروفات الاشتقاق في كلام العرب؛ وهي مصروفة؛ تقول: " علمت أبا جاد " ؛ و " انتفعت بأبي جاد " ؛ وكذلك " هوز " ؛ تقول: " نفعني هوز " ؛ و " انتفعت بهوز " ؛ وكذلك " حطي " ؛ وهن مصروفات منونات؛ فأما " كلمون " ؛ و " سعفص " ؛ و " قريشيات " ؛ فأعجميات؛ تقول: " هذه كلمون يا هذا " ؛ و " تعلمت كلمون " ؛ و " انتفعت بكلمون " ؛ وكذلك " سعفص " ؛ فأما " قريشيات " ؛ فاسم للجمع؛ مصروفة بسبب الألف والتاء؛ تقول: " هذه
[ ص: 62 ] قريشيات يا هذا " ؛ وعجبت من قريشيات يا هذا " .
ولقطرب قول آخر في " الم " ؛ زعم أنه يجوز؛ لما لغا القوم في القرآن فلم يتفهموه؛ حين قالوا: " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " ؛ أنزل ذكر هذه الحروف؛ فسكتوا لما سمعوا الحروف؛ طمعا في الظفر بما يحبون؛ ليفهموا - بعد الحروف - القرآن وما فيه؛ فتكون الحجة عليهم أثبت إذا جحدوا بعد تفهم؛ وتعلم.
قال
أبو إسحاق : والذي أختاره من هذه الأقوال التي قيلت في قوله - عز وجل -: " الم " ؛ بعض ما يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رحمة الله عليه -؛ وهو أن المعنى: " الم " : " أنا الله أعلم " ؛ وأن كل حرف منها له تفسيره؛ والدليل على ذلك أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التي هو منها؛ قال الشاعر:
قلنا لها قفي قالت قاف ... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف
فنطق بقاف فقط؛ يريد قالت: " أقف " ؛ وقال الشاعر أيضا:
نادوهم أن ألجموا ألاتا ... قالوا جميعا كلهم ألا فا
[ ص: 63 ] تفسيره: " نادوهم أن ألجموا؛ ألا تركبون؟ قالوا جميعا: ألا فاركبوا " ؛ فإنما نطق بتاء؛ وفاء؛ كما نطق الأول بقاف؛ وأنشد بعض أهل اللغة
للقيم بن سعد بن مالك :
إن شئت أشرفنا كلانا فدعا ... الله ربا جهده فأسمعا
بالخير خيرات وإن شرا فآ ... ولا أريد الشر إلا أن تآ
وأنشد النحويون:
بالخير خيرات وإن شرا فا ... ولا أريد الشر إلا أن تا
يريدون: " إن شرا فشر؛ ولا أريد الشر إلا أن تشاء " ؛ أنشد جميع البصريين ذلك؛ فهذا الذي أختاره في هذه الحروف؛ والله أعلم بحقيقتها.
فأما " ص " ؛ فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " صاد والقرآن " ؛ فكسر الدال؛ فقال أهل
[ ص: 64 ] اللغة: معناه " صاد القرآن بعملك " ؛ أي: تعمده؛ وسقطت الياء للأمر؛ ويجوز أن تكون كسرت الدال لالتقاء الساكنين؛ إذا نويت الوصل؛ وكذلك قرأ
عبد الله بن أبي إسحاق: " صاد والقرآن " ؛ وقرأ أيضا: " قاف والقرآن المجيد " ؛ فالكسر في مذهب
ابن أبي إسحاق لالتقاء الساكنين؛ وقرأ
عيسى بن عمر : " صاد والقرآن " ؛ بفتح الدال؛ وكذلك قرأ: " نون والقلم " ؛ و " قاف والقرآن " ؛ بالفتح أيضا؛ لالتقاء الساكنين؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : إذا ناديت " أسحار " - و " الأسحار " : اسم نبت؛ مشدد الراء -؛ قلت في ترخيمه: " يا أسحار أقبل " ؛ ففتحت لالتقاء الساكنين؛ كما اخترت الفتح في قولك: " عض يا فتى " ؛ فإتباع الفتحة الفتحة كإتباع الألف الفتحة؛ ويجوز: " يا أسحار أقبل " ؛ فتكسر لالتقاء الساكنين؛ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13676أبو الحسن الأخفش : يجوز أن يكون " صاد " و " قاف " ؛ و " نون " ؛ أسماء للسور؛ منصوبة؛ إلا أنها لا تصرف؛ كما لا تصرف جملة أسماء المؤنث؛ والقول الأول - أعني التقاء الساكنين؛ والفتح؛ والكسر من أجل التقائها - أقيس؛ لأنه يزعم أنه ينصب هذه الأشياء؛ كأنه قال: " أذكر صاد " ؛ وكذلك يجيز في " حم " ؛
[ ص: 65 ] و " طس " ؛ النصب؛ و " ياسين " أيضا؛ على أنها أسماء للسور؛ ولو كان قرئ بها لكان وجهه الفتح؛ لالتقاء الساكنين؛ فأما " كهيعص " ؛ فلا تبين فيها النون مع الصاد في القراءة؛ وكذلك " حم عسق " ؛ لا تبين فيها النون مع السين؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13676الأخفش وغيره من النحويين: لم تبين النون لقرب مخرجها من السين؛ والصاد؛ فأما " نون والقلم " ؛ فالقراءة فيها تبيين النون مع الواو التي في " والقلم " ؛ وبترك التبيين؛ إن شئت بينت؛ وإن شئت لم تبين؛ فقلت " نون والقلم " ؛ لأن النون بعدت قليلا عن الواو.
وأما قوله - عز وجل - " الم الله " ؛ ففي فتح الميم قولان؛ أحدهما لجماعة من النحويين؛ وهو أن هذه الحروف مبنية على الوقف؛ فيجب بعدها قطع ألف الوصل؛ فيكون الأصل: " أ ل م الله لا إله إلا هو " ؛ ثم طرحت فتحة الهمزة على الميم؛ وسقطت الهمزة؛ كما تقول: " واحد؛ اثنان " ؛ وإن شئت قلت: " واحد اثنان " ؛ فألقيت كسرة " اثنين " ؛ على الدال؛ وقال قوم من النحويين: لا يسوغ في اللفظ أن ينطق بثلاثة أحرف سواكن؛ فلا بد من فتحة الميم في " الم الله " ؛ لالتقاء الساكنين؛ يعني الميم؛ واللام؛ والتي بعدها؛ وهذا القول صحيح؛ لا يمكن في اللفظ غيره.
[ ص: 66 ] فأما من زعم أنه إنما ألقي حركة الهمزة فيجب أن يقرأ: " الم الله " ؛ وهذا لا أعلم أحدا قرأ به إلا ما ذكر عن الرؤاسي؛ فأما من رواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم؛ فليس بصحيح الرواية؛ وقال بعض النحويين: لو كانت محركة لالتقاء الساكنين لكانت مكسورة؛ وهذا غلط لو فعلنا في التقاء الساكنين إذا كان الأول منهما ياء؛ لوجب أن تقول: " كيف زيد؟ " ؛ و " أين زيد؟ " ؛ وهذا لا يجوز؛ وإنما وقع الفتح لثقل الكسرة بعد الياء؛
[ ص: 55 ] وَمِنْ سُورَةِ " اَلْبَقَرَةِ "
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -:
nindex.php?page=treesubj&link=28908_32450_34237nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم ؛ زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ ؛ مُعَمَّرُ بْنُ الْمُثَنَّى ؛ أَنَّهَا حُرُوفُ الْهِجَاءِ؛ افْتِتَاحُ كَلَامٍ؛ وَكَذَلِكَ " المر " ؛ وَ " المص " ؛ وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13676أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ أَنَّهَا افْتِتَاحُ كَلَامٍ؛ وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي ذُكِرَ قَبْلَ السُّورَةِ قَدْ تَمَّ؛ وَزَعَمَ
قُطْرُبٌ أَنَّ: " الم " ؛ وَ " المص " ؛ وَ " المر " ؛ وَ " كهيعص " ؛ وَ " ق " ؛
[ ص: 56 ] وَ " يس " ؛ وَ " نون " ؛ حُرُوفُ الْمُعْجَمِ؛ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ؛ الَّتِي هِيَ حُرُوفُ " أ ب ت ث " ؛ فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا؛ وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا؛ لِيَدُلَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ نَزَلَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ بِحُرُوفِهِمُ الَّتِي يَعْقِلُونَهَا؛ لَا رَيْبَ فِيهِ.
وَيُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ؛ وَسِرُّهُ فِي الْقُرْآنِ حُرُوفُ الْهِجَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ؛ وَيُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي " الم " ؛ وَمَا أَشْبَهَهَا ، فَوَجْهٌ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي عِنْدَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي عَنْهُ أَنَّ " الر " ؛ وَ " حم " ؛ وَ " نون " ؛ اِسْمٌ لِلرَّحْمَنِ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ مُقَطَّعٌ فِي اللَّفْظِ؛ مَوْصُولٌ فِي الْمَعْنَى؛ وَالثَّالِثُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " الم " ؛ مَعْنَاهُ: " أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ " ، وَ " الر " ؛ مَعْنَاهُ: " أَنَا اللَّهُ أَرَى " ،
[ ص: 57 ] وَ " المص " ؛ مَعْنَاهُ: " أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَفْصِلُ " ؛ وَ " المر " ؛ مَعْنَاهُ: " أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى " ؛ فَهَذَا جَمِيعُ مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ وَالنَّحْوِيِّينَ؛ فِي مَعْنَى " الم " ؛ وَجَمِيعُ مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ.
وَنَقُولُ فِي إِعْرَابِ " الم " ؛ وَ " الر " ؛ وَ " كهيعص " ؛ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْحُرُوفَ: هَذَا بَابُ التَّهَجِّي.
[ ص: 58 ] [ ص: 59 ] هَذَا بَابُ حُرُوفِ التَّهَجِّي
وَهِيَ: اَلْأَلِفُ؛ وَالْبَاءُ؛ وَالتَّاءُ؛ وَالثَّاءُ؛ وَسَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا؛ فَإِجْمَاعُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَقْفِ؛ لَا تُعْرَبُ؛ وَمَعْنَى قَوْلِنَا: " مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَقْفِ " : أَنَّكَ تَقْدِرُ أَنْ تَسْكُتَ عَلَى كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا ، فَالنُّطْقُ: " أَلِفْ لَامْ مِيمْ ذَلِكَ... " ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّكَ تَقْدِرُ السَّكْتَ عَلَيْهَا جَمْعُكَ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ فِي قَوْلِكَ: " لَامْ " ؛ وَفِي قَوْلِكَ: " مِيمْ " ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّكْتِ؛ كَمَا بُنِيَ الْعَدَدُ عَلَى السَّكْتِ؛ أَنَّكَ تَقُولُ فِيهَا بِالْوَقْفِ؛ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ ، كَمَا تَقُولُ إِذَا عَدَدْتَ: " وَاحِدْ؛ اِثْنَانْ؛ ثَلَاثَهْ؛ أَرْبَعَهْ... " ؛ وَلَوْلَا أَنَّكَ تَقْدِرُ السَّكْتَ لَقُلْتَ: " ثَلَاثَةٌ " ، بِالتَّاءِ؛ كَمَا تَقُولُ: " ثَلَاثًا يَا هَذَا " ؛ فَتَصِيرُ الْهَاءُ تَاءً مَعَ التَّنْوِينِ؛ وَاتِّصَالِ الْكَلَامِ؛ وَحَقُّهَا مِنَ الْإِعْرَابِ أَنْ تَكُونَ سَوَاكِنَ الْأَوَاخِرِ ، زَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّكَ أَرَدْتَ أَنَّ الْمُعْجَمَ حُرُوفٌ يُحْكَى بِهَا مَا فِي الْأَسْمَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ الْحُرُوفِ؛ فَجَرَى
[ ص: 60 ] مُجْرَى مَا يُحْكَى بِهِ؛ نَحْوَ " غَاقْ " ؛ وَ " غَاقْ يَا فَتَى " ، إِنَّمَا حَكَى صَوْتَ الْغُرَابِ؛ وَالدَّلِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ ... تَخُطُّ رِجْلَايَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ
تُكَتِّبَانِ فِي الطَّرِيقِ لَامَ الِفْ
كَأَنَّهُ قَالَ: " لَامْ أَلِفْ " ، بِسُكُونِ " لَامْ " ؛ وَلَكِنَّهُ أَلْقَى حَرَكَةَ هَمْزَةِ " أَلِفْ " ؛ عَلَى الْمِيمِ؛ فَفَتَحَهَا؛ قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ : وَشَرْحُ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَتَفْسِيرُهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ تُجْرَى مُجْرَى الْأَسْمَاءِ الْمُتَمَكِّنَةِ ، وَالْأَفْعَالِ الْمُضَارِعَةِ الَّتِي يَجِبُ لَهَا الْإِعْرَابُ؛ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْطِيعُ الِاسْمِ الْمُؤَلَّفِ الَّذِي لَا يَجِبُ الْإِعْرَابُ فِيهِ؛ إِلَّا مَعَ كَمَالِهِ؛ فَقَوْلُكَ: "
جَعْفَرٌ " ؛ لَا يَجِبُ أَنْ تُعْرَبَ مِنْهُ الْجِيمُ؛ وَلَا الْعَيْنُ؛ وَلَا الْفَاءُ؛ وَلَا الرَّاءُ؛ دُونَ تَكْمِيلِ الِاسْمِ؛ فَإِنَّمَا هِيَ حِكَايَاتٌ وُضِعَتْ عَلَى هَذِهِ الْحُرُوفِ؛ فَإِنْ أَجْرَيْتَهَا مُجْرَى الْأَسْمَاءِ؛ وَحَدَّثْتَ عَنْهَا؛ قُلْتَ: " هَذِهِ كَافٌ حَسَنَةٌ " ؛ وَهَذَا كَافٌ حَسَنٌ " ؛ وَكَذَلِكَ سَائِرُ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ؛ فَمَنْ قَالَ: " هَذِهِ كَافٌ " ؛ أَنَّثَ لِمَعْنَى الْكَلِمَةِ؛ وَمَنْ ذَكَّرَ فَلِمَعْنَى الْحَرْفِ؛ وَالْإِعْرَابُ وَقَعَ فِيهَا لِأَنَّكَ تُخْرِجُهَا مِنْ بَابِ الْحِكَايَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَافًا وَمِيمَيْنِ وَسِينًا طَاسِمَا
[ ص: 61 ] وَقَالَ أَيْضًا:
كَمَا بَيَّنَتْ كَافٌ تَلُوحُ وَمِيمُهَا
ذَكَّرَ " طَاسِمَا " ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ صِفَةً لِلسِّينِ؛ وَجَعَلَ السِّينَ فِي مَعْنَى الْحَرْفِ؛ وَقَالَ: " تَلُوحُ " ؛ فَأَنَّثَ الْكَافَ؛ ذَهَبَ بِهَا مَذْهَبَ الْكَلِمَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ - يَهْجُو النَّحْوِيِّينَ؛ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ -:
إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى أَلِفٍ وَوَاوٍ ... وَيَاءٍ لَاحَ بَيْنَهُمُ جِدَالُ
فَأَمَّا إِعْرَابُ " أَبِي جَادٍ " ؛ وَ " هَوَزٍ " ؛ وَ " حُطِّي " ؛ فَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنَّ هَذِهِ مَعْرُوفَاتُ الِاشْتِقَاقِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَهِيَ مَصْرُوفَةٌ؛ تَقُولُ: " عَلِمْتُ أَبَا جَادٍ " ؛ وَ " اِنْتَفَعْتُ بِأَبِي جَادٍ " ؛ وَكَذَلِكَ " هَوَزٌ " ؛ تَقُولُ: " نَفَعَنِي هَوَزٌ " ؛ وَ " اِنْتَفَعْتُ بِهَوَزٍ " ؛ وَكَذَلِكَ " حُطِّي " ؛ وَهُنَّ مَصْرُوفَاتٌ مُنَوَّنَاتٌ؛ فَأَمَّا " كَلَمْوَنُ " ؛ وَ " سَعْفَصُ " ؛ وَ " قُرَيْشِيَاتٌ " ؛ فَأَعْجَمِيَّاتٌ؛ تَقُولُ: " هَذِهِ كَلَمْوَنُ يَا هَذَا " ؛ وَ " تَعَلَّمْتُ كَلَمْوَنَ " ؛ وَ " اِنْتَفَعْتُ بِكَلَمْوَنَ " ؛ وَكَذَلِكَ " سَعْفَصُ " ؛ فَأَمَّا " قُرَيْشِيَاتٌ " ؛ فَاسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ مَصْرُوفَةٌ بِسَبَبِ الْأَلِفِ وَالتَّاءِ؛ تَقُولُ: " هَذِهِ
[ ص: 62 ] قُرَيْشِيَاتٌ يَا هَذَا " ؛ وَعَجِبْتُ مِنْ قُرَيْشِيَاتٍ يَا هَذَا " .
وَلِقُطْرُبٍ قَوْلٌ آخَرَ فِي " الم " ؛ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لَمَّا لَغَا الْقَوْمُ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ يَتَفَهَّمُوهُ؛ حِينَ قَالُوا: " لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ " ؛ أُنْزِلَ ذِكْرُ هَذِهِ الْحُرُوفِ؛ فَسَكَتُوا لَمَّا سَمِعُوا الْحُرُوفَ؛ طَمَعًا فِي الظَّفَرِ بِمَا يُحِبُّونَ؛ لِيَفْهَمُوا - بَعْدَ الْحُرُوفِ - الْقُرْآنَ وَمَا فِيهِ؛ فَتَكُونَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَثْبَتَ إِذَا جَحَدُوا بَعْدَ تَفَهُّمٍ؛ وَتَعَلُّمٍ.
قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ : وَالَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قِيلَتْ فِي قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: " الم " ؛ بَعْضُ مَا يُرْوَى عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -؛ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: " الم " : " أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ " ؛ وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا لَهُ تَفْسِيرُهُ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَنْطِقُ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ تَدُلُّ بِهِ عَلَى الْكَلِمَةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قُلْنَا لَهَا قِفِي قَالَتْ قَافْ ... لَا تَحْسَبِي أَنَّا نَسِينَا الْإِيجَافْ
فَنُطِقَ بِقَافٍ فَقَطْ؛ يُرِيدُ قَالَتْ: " أَقِفُ " ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ أَيْضًا:
نَادَوْهُمُ أَنْ أَلْجِمُوا أَلَاتَا ... قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا
[ ص: 63 ] تَفْسِيرُهُ: " نَادَوْهُمْ أَنْ أَلْجِمُوا؛ أَلَا تَرْكَبُونَ؟ قَالُوا جَمِيعًا: أَلَا فَارْكَبُوا " ؛ فَإِنَّمَا نُطِقَ بِتَاءٍ؛ وَفَاءٍ؛ كَمَا نُطِقَ الْأَوَّلُ بِقَافِ؛ وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ
لِلْقَيِّمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ :
إِنْ شِئْتَ أَشْرَفْنَا كِلَانَا فَدَعَا ... اللَّهَ رَبًّا جُهْدَهُ فَأَسْمَعَا
بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّا فَآ ... وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَآ
وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ:
بِالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّا فَا ... وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَا
يُرِيدُونَ: " إِنْ شَرًّا فَشَرٌّ؛ وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ " ؛ أَنْشَدَ جَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ ذَلِكَ؛ فَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَتِهَا.
فَأَمَّا " ص " ؛ فَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ : " صَادِ وَالْقُرْآنِ " ؛ فَكَسَرَ الدَّالَ؛ فَقَالَ أَهْلُ
[ ص: 64 ] اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ " صَادِ الْقُرْآنَ بِعَمَلِكَ " ؛ أَيْ: تَعَمَّدْهُ؛ وَسَقَطَتِ الْيَاءُ لِلْأَمْرِ؛ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونُ كُسِرَتِ الدَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ إِذَا نَوَيْتَ الْوَصْلَ؛ وَكَذَلِكَ قَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: " صَادِ وَالْقُرْآنِ " ؛ وَقَرَأَ أَيْضًا: " قَافِ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ " ؛ فَالْكَسْرُ فِي مَذْهَبِ
ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ وَقَرَأَ
عِيسَى بْنُ عُمَرَ : " صَادَ وَالْقُرْآنِ " ؛ بِفَتْحِ الدَّالِ؛ وَكَذَلِكَ قَرَأَ: " نُونَ وَالْقَلَمِ " ؛ وَ " قَافَ وَالْقُرْآنِ " ؛ بِالْفَتْحِ أَيْضًا؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : إِذَا نَادَيْتَ " أَسْحَارَّ " - وَ " اَلْأَسْحَارُّ " : اِسْمُ نَبْتٍ؛ مُشَدَّدُ الرَّاءِ -؛ قُلْتَ فِي تَرْخِيمِهِ: " يَا أَسْحَارَ أَقْبِلْ " ؛ فَفَتَحْتَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ كَمَا اخْتَرْتَ الْفَتْحَ فِي قَوْلِكَ: " عَضَّ يَا فَتَى " ؛ فَإِتْبَاعُ الْفَتْحَةِ الْفَتْحَةَ كَإِتْبَاعِ الْأَلِفِ الْفَتْحَةَ؛ وَيَجُوزُ: " يَا أَسْحَارِ أَقْبِلْ " ؛ فَتَكْسِرُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13676أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " صَادَ " وَ " قَافَ " ؛ وَ " نُونَ " ؛ أَسْمَاءً لِلسُّورِ؛ مَنْصُوبَةً؛ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ؛ كَمَا لَا تُصْرَفُ جُمْلَةُ أَسْمَاءِ الْمُؤَنَّثِ؛ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - أَعْنِي الْتِقَاءَ السَّاكِنَيْنِ؛ وَالْفَتْحَ؛ وَالْكَسْرَ مِنْ أَجْلِ الْتِقَائِهَا - أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْصِبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: " أَذْكُرُ صادَ " ؛ وَكَذَلِكَ يُجِيزُ فِي " حم " ؛
[ ص: 65 ] وَ " طس " ؛ اَلنَّصْبَ؛ وَ " يَاسِينْ " أَيْضًا؛ عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلسُّورِ؛ وَلَوْ كَانَ قُرِئَ بِهَا لَكَانَ وَجْهُهُ الْفَتْحَ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ فَأَمَّا " كهيعص " ؛ فَلَا تَبِينُ فِيهَا النُّونُ مَعَ الصَّادِ فِي الْقِرَاءَةِ؛ وَكَذَلِكَ " حم عسق " ؛ لَا تَبِينُ فِيهَا النُّونُ مَعَ السِّينِ؛ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13676الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: لَمْ تُبَيَّنِ النُّونُ لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا مِنَ السِّينِ؛ وَالصَّادِ؛ فَأَمَّا " نُونْ وَالْقَلَمِ " ؛ فَالْقِرَاءَةُ فِيهَا تَبْيِينُ النُّونِ مَعَ الْوَاوِ الَّتِي فِي " وَالْقَلَمِ " ؛ وَبِتَرْكِ التَّبْيِينِ؛ إِنْ شِئْتَ بَيَّنْتَ؛ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُبَيِّنْ؛ فَقُلْتَ " نُونْ وَالْقَلَمِ " ؛ لِأَنَّ النُّونَ بَعُدَتْ قَلِيلًا عَنِ الْوَاوِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - " الم اَللَّهُ " ؛ فَفِي فَتْحِ الْمِيمِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ؛ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوَقْفِ؛ فَيَجِبُ بَعْدَهَا قَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ؛ فَيَكُونُ الْأَصْلُ: " أ ل م اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " ؛ ثُمَّ طُرِحَتْ فَتْحَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمِيمِ؛ وَسَقَطَتِ الْهَمْزَةُ؛ كَمَا تَقُولُ: " وَاحِدْ؛ اِثْنَانِ " ؛ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: " وَاحِدِ اثْنَانِ " ؛ فَأَلْقَيْتَ كَسْرَةَ " اِثْنَيْنِ " ؛ عَلَى الدَّالِ؛ وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: لَا يَسُوغُ فِي اللَّفْظِ أَنْ يُنْطَقَ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ سَوَاكِنَ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ فَتْحَةِ الْمِيمِ فِي " المَ اللَّهُ " ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ يَعْنِي الْمِيمَ؛ وَاللَّامَ؛ وَالَّتِي بَعْدَهَا؛ وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ؛ لَا يُمْكِنُ فِي اللَّفْظِ غَيْرُهُ.
[ ص: 66 ] فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أُلْقِيَ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ: " المِ اللَّهُ " ؛ وَهَذَا لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَرَأَ بِهِ إِلَّا مَا ذُكِرَ عَنِ الرُّؤَاسِيِّ؛ فَأَمَّا مَنْ رَوَاهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ؛ فَلَيْسَ بِصَحِيحِ الرِّوَايَةِ؛ وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: لَوْ كَانَتْ مُحَرَّكَةً لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لَكَانَتْ مَكْسُورَةً؛ وَهَذَا غَلَطٌ لَوْ فَعَلْنَا فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا يَاءً؛ لَوَجَبَ أَنْ تَقُولَ: " كَيْفِ زَيْدٍ؟ " ؛ وَ " أَيْنِ زَيْدٍ؟ " ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَتْحُ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ؛