دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
[ ص: 292 ] فإن لا يكنها أو تكنه فإنه
... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله - عز وجل -: قل فيهما إثم كبير - وقرئت: " كثير " -؛ قال قوم: زهد فيها في هذا الموضع؛ وبين تحريمها في سورة " المائدة " ؛ في قوله: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ؛ ومعنى " فهل أنتم منتهون " : التحضيض على الانتهاء؛ والتهديد على ترك الانتهاء؛ وقال قوم: لا؛ بل تحرم بما بين ههنا؛ مما دل عليه الكتاب في موضع آخر؛ لأنه قال: إثم كبير ؛ وقد حرم الله الإثم نصا؛ فقال: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ؛ وإنما بينا ؛ وإن كان مجمعا عليه؛ ليعلم أن نص ذلك في الكتاب؛ فأما الإثم الكبير الذي في الخمر؛ فبين؛ لأنها توقع العداوة والبغضاء؛ وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به؛ ويعرف ما يجب لخالقه؛ والقمار يورث العداوة؛ والبغضاء؛ فإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه؛ وأما المنافع للناس فيه فاللذة في الخمر؛ والربح في المتجر فيها؛ وكذلك المنفعة في [ ص: 293 ] القمار؛ يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد؛ ولا تعب؛ فأعلم الله أن الإثم فيهما إثم أكبر من نفعهما. وقوله - عز وجل -: تحريم الخمر ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ؛ النصب والرفع في " العفو " ؛ جميعا؛ من جعل " ماذا " ؛ اسما واحدا؛ رد " العفو " ؛ عليه؛ ومن جعل " ما " ؛ اسما؛ و " ذا " ؛ خبرها؛ وهي في معنى " الذي " ؛ رد " العفو " ؛ عليه؛ فرفع؛ كأنه قال: " ما الذي ينفقون؟ " ؛ فقال: " العفو " ؛ ويجوز أن ينصب " العفو " ؛ وإن كان " ما " ؛ وحدها اسما؛ فتحمل " العفو " ؛ على " ينفقون " ؛ كأنه قيل: " أنفقوا العفو " ؛ ويجوز أيضا أن ترفع وإن جعلت " ماذا " ؛ بمنزلة شيء واحد؛ على: " قل هو العفو " ؛ و " العفو " ؛ في اللغة: الفضل والكثرة؛ يقال: " عفا القوم " ؛ إذا كثروا؛ فأمروا أن ينفقوا الفضل؛ إلى أن فرضت الزكاة؛ فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه؛ ويتصدق بباقيه؛ ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم؛ وينفقون باقيه؛ هذا قد روي في التفسير؛ والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها. وقوله - عز وجل -: كذلك يبين الله لكم الآيات ؛ أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر يبين الله لكم الآيات؛ لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته؛ كما قال - عز وجل -: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ؛ ومثل هذا في القرآن كثير؛ يحكي مخاطبة الإجماع ب " ذلك " ؛ و " ذلكم " ؛ أكثر في [ ص: 294 ] اللغة؛ وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " ؛ للجماعة؛ قال الله (تعالى): يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ؛ والأصل " ذلكن " ؛ إلا أن الجماعة في معنى القبيل.