وأن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم
[ ص: 283 ] أي: طوال القامات؛ و " الأمة " : القرن من الناس؛ يقولون: " قد مضت أمم " ؛ أي: قرون؛ و " الأمة " : الرجل الذي لا نظير له؛ ومنه قوله - عز وجل -: إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ؛ قال : معنى " كان أمة " : كان إماما؛ و " الأمة " : في اللغة: النعمة والخير؛ قال أبو عبيدة " ثم بعد الفلاح والرشد والأمة؛ وارتهم هناك القبور " ؛ أي: بعد النعمة والخير؛ وذكر عدي بن زيد: أن العرب تقول للشيخ - إذا كان باقي القوة -: " فلان بأمة " ؛ ومعناه: راجع إلى الخير؛ والنعمة؛ لأن بقاء قوته من أعظم النعمة؛ وأصل هذا كله من القصد؛ يقال: " أممت الشيء " ؛ إذا قصدته؛ فمعنى " الأمة " ؛ في الدين؛ أن مقصدهم مقصد واحد؛ ومعنى " الأمة " ؛ في الرجل المنفرد الذي لا نظير له؛ أن قصده منفرد من قصد سائر الناس؛ ويروى أن زيد بن أبو عمرو الشيباني عدي بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده؛ وإنما [ ص: 284 ] ذلك لأنه أسلم في الجاهلية قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فمات موحدا؛ فهذا أمة في وقته؛ لانفراده؛ وبيت : النابغة
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
ويروى " ذو أمة " ؛ و " ذو إمة " ؛ ويحتمل ضربين من التفسير: " ذو أمة " : ذو دين؛ و " ذو أمة " : ذو نعمة أسديت إليه؛ ومعنى " الأمة " - القامة -: سائر مقصد الجسد؛ فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى " أممت " ؛ أي: قصدت؛ ويقال: " إمامنا هذا حسن الأمة " ؛ أي: يقوم بإمامته بنا في صلاته؛ ويحسن ذلك؛ وقالوا في معنى الآية غير قول: قالوا: كان الناس فيما بين آدم؛ ونوح - عليهما السلام - كفارا؛ فبعث الله النبيين يبشرون من أطاع بالجنة؛ وينذرون من عصى بالنار؛ وقال قوم: معنى " كان الناس أمة واحدة " : كان كل من بعث إليه الأنبياء كفارا.
فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ؛ ونصب " مبشرين ومنذرين " ؛ على الحال؛ فالمعنى أن أمم الأنبياء الذين بعث إليهم الأنبياء كانوا كفارا؛ كما كانت هذه الأمة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم. وقوله - عز وجل -: ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ؛ أي: ليفصل بينهم بالحكمة. وقوله - عز وجل -: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ؛ أي: ما اختلف في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الذين أعطوا علم حقيقته؛ وقوله: بغيا بينهم ؛ نصب " بغيا " ؛ على معنى مفعول له؛ المعنى: لم يوقعوا الاختلاف إلا [ ص: 285 ] للبغي؛ لأنهم عالمون حقيقة أمره في كتبهم؛ وقوله - عز وجل -: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ؛ أي: للحق الذي اختلف فيه أهل الزيغ. وقوله - عز وجل -: بإذنه ؛ أي: بعلمه؛ أي: من الحق الذي أمر به. وقوله - عز وجل -: يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ؛ أي: إلى طريق الدين الواضح؛ ومعنى " يهدي من يشاء " : يدله على طريق الهدى؛ إذا طلبه غير متعنت؛ ولا باغ.