وقوله - عز وجل -: فول وجهك شطر المسجد الحرام أي: المسجد الحرام؛ فأمر أن يستقبل - وهو بالمدينة - مكة؛ والبيت الحرام؛ وأمر أن يستقبل البيت حيث كان الناس؛ ومعنى " الشطر " : النحو؛ و " شطر " ؛ منصوب على الظرف؛ قال الشاعر:
إن العسير بها داء يخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور
أي: فنحوها؛ ولا اختلاف بين أهل اللغة أن " الشطر " : النحو؛ وقول الناس: " فلان شاطر " ؛ معناه: قد أخذ في نحو غير الاستواء؛ فلذلك قيل: " شاطر " ؛ لعدوله عن الاستواء؛ يقال: " قد شطر الرجل؛ يشطر؛ شطارة؛ وشطارة " ؛ ويقال: " هؤلاء قوم مشاطرونا " ؛ أي: دورهم تتصل بدورنا؛ كما تقول: " هؤلاء يناحوننا " ؛ أي: " نحن نحوهم؛ وهم نحونا " ؛ فلذلك هم شاطرونا. وقوله - عز وجل -: إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ؛ [ ص: 223 ] إن قال قائل: ما معنى: " إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ؛ والله - عز وجل - قد علم ما يكون قبل كونه؟ فالجواب في ذلك أن الله يعلم من يتبع الرسول ممن لا يتبعه من قبل وقوعه؛ وذلك العلم لا تجب به مجازاة في ثواب؛ ولا عقاب؛ ولكن المعنى: ليعلم ذلك منهم شهادة؛ فيقع عليهم بذلك العلم اسم " مطيعين " ؛ واسم " عاصين " ؛ فيجب ثوابهم على قدر عملهم؛ ويكون معلوم ما في حال وقوع الفعل منهم علم شهادة؛ كما قال - عز وجل -: عالم الغيب والشهادة ؛ فعلمه به قبل وقوعه علم غيب؛ وعلمه به في حال وقوعه شهادة؛ وكل ما علمه الله شهادة فقد كان معلوما عنده غيبا؛ لأنه يعلمه قبل كونه؛ وهذا يبين كل ما في القرآن مثله؛ نحو قوله (تعالى): ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم