بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا وقد نـزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
* * * [ ص: 1908 ] كانت الآيات السابقة، في بيان الإيمان الحق الصادق، وأنه يشمل الإيمان بالرسل وكتبهم، والإيمان برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكتبه، وكل ذلك في ظل الإيمان بالله تعالى باعث الرسل ومنزل الكتب من عنده، وخالق كل شيء، ومبدع الكون. ثم كانت الآية التي وليت ذلك في ذكر حال هؤلاء المترددين الحائرين الذين لا يستقرون على حال، وهم قسمان: قسم ضعيف الإيمان مضطرب الاعتقاد، وهؤلاء قد يؤمنون ثم يرتدون لغير غاية. والقسم الثاني يعلن الإيمان ويبطن الكفر، ويتردد مظهره بين الإيمان والكفر; إذ إنه مهما يطو اعتقاده في نفسه لا بد أن يظهر على لسانه، كما قال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ولتعرفنهم في لحن القول [محمد].
وهذه الآيات في شأن المنافقين:
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما
المنافقون هم الذين خلصوا للنفاق، وأصبح الإيمان لا موضع له في قلوبهم، وهم المنافقون في الاعتقاد بالرسالة المحمدية; وذلك لأن النفاق قسمان: نفاق خالص، وهؤلاء كفار في ذات الرسالة المحمدية، وهؤلاء كفار كما قال تعالى في الآيات اللاحقة. والقسم الثاني نفاق ليس خالصا، وهو لا يتصل بالعقيدة، بل يتصل بالأخلاق، وهو الذي جاء ذكره في الحديث "آية المنافق أربع: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر"، وبعض الروايات ليس فيها الخصلة الرابعة. وهذا النوع هو الكثير الشائع في عصرنا.
والتعبير بقوله: بشر المنافقين فيه نوع مجاز; لأن البشارة لا تكون غالبا إلا في الخبر السار، ويقول في ذلك الأصفهاني في مفرداته: "وبشرته أخبرته بسار [ ص: 1909 ] بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر ... ويقال للخبر السار البشارة والبشرى، قال تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة [يونس]".
وقالوا إن التعبير بالبشرى في هذا المقام، وهو إنذار المنافقين بالعذاب الأليم فيه نوع تهكم بهم; لأن المنافق فيه طمع وهو يريد النفع الدنيوي، أو المادي، فيقال لهم ما تنتظرونه من أمر مبشركم ويرضي مطامعكم هو عذاب شديد. مؤلم أشد الإيلام، فهو ثمرة نفاقكم، فما غرستم من غرس هو شر محض، فلا ينتج إلا شرا.
* * *