nindex.php?page=treesubj&link=30364_30394_30415_30503_34134_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة
* * *
وهنا يذكر سبحانه وتعالى جزاء الذين يعملون عملا صالحا، فيعينه، ولا يتركه مجملا، فقد ذكر في الآية السابقة جزاء الشر به ولم يبينه، ولكنه ذكر أنه على قدر العمل من غير أن يبين صنف الجزاء. والعبرة في ذلك هو المساواة بين الجزاء والعمل، وأنه بهذا لا يظلم لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468الجزاء على قدر العمل، فالجريمة والعقاب متساويان.
وهنا ملاحظتان، إحداهما أن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل من الصالحات أي أنه يعمل بعض الصالحات; وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يعمل كل الصالحات، بل يستطيع أن يعمل بعضها; لأن طاقته النفسية والبدنية لا تمكنه من عمل كل الخير، وكل يعمل على قدر طاقته من غير تقصير، والله تعالى يغفر القصور، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان يطلب من العبادة ما يطيق من غير شقة ولذلك لم يطالب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأقصى الغاية من العبادة، بل قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655982 "سددوا وقاربوا".
والملاحظة الثانية: أنه ذكر الأنثى في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124من ذكر أو أنثى و(من) هنا بيانية، فهي بيان لمن في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل والأحكام الشرعية كلها تشمل النساء والرجال، إلا ما يقوم الدليل فيه على أن أحد الصنفين مختص بحكم; لأنه يكون ملائما لطبيعته، وإن ذكر الإناث
[ ص: 1873 ] في الأحكام العامة فيه
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468إشعار بكمال الإنسانية في المرأة، وأن لها حقوقا، وعليها واجبات اقتضاها التكليف فما من عبادة إلا طولبت بها المرأة كما طولب بها الرجل، وإن كان للرجل اختصاص في بعض العبادات كالجهاد، وسبب ذلك الرجولة ذاتها. والإعفاء من واجب شاق لا يعد حرمانا، وفي الحق إن المرأة تقوم بواجبات شاقة تنفرد بها أيضا، كالحمل والولادة، والقيام على شؤون الأولاد في المهد.
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531اشترط لاستحقاق الأعمال الصالحة أن يكون من يعملها متصفا بالإيمان، فإن الجزاء من الله تعالى ويجب أن يكون العمل قد قصد به وجهه وحده. فالثواب ليس على مجرد العمل، بل على النية فيه، وقصد الخير، وذلك لا يكون إلا إذا قصد به وجه الله تعالى.
وقد أكد سبحانه وتعالى الجزاء بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ولا يظلمون نقيرا أي لا ينقصون من عملهم الصالح شيئا، ولو كان شيئا صغيرا بقدر النقير، وهو العلامة التي تكون في ظهر النواة، فتظهر كثقب صغير، وتسمى نقرة كأنها حصلت بمنقار طائر صغير، ويضرب العرب بها المثل في القلة.
وإن مثل هذا الجزاء لا يستحقه العبد إلا بفضل من الله تعالى بدليل أنه يقبل بعض الصالحات ويدخل الجنة عليها، ولا ينقص شيئا فهو يفيض بالثواب، ولا ينقص من عمل الخير.
وقد تساءل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لماذا ذكر عدم الظلم ولم يذكره في عمل السوء؟ وأجاب عن ذلك بأن عدم الظلم ملاحظ هناك بذكره هنا. وفي الحق إن عدم الظلم ملاحظ هناك من النص ذاته، فقد ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123من يعمل سوءا يجز به وهذا فيه النص على أن الجزاء بقدر العمل، ومؤدى هذا ألا يظلم، وكان الجزاء عمل الغير أكثر منه من أن ينقصوا، أما في
[ ص: 1874 ] عمل الشر، فالجزاء لا زيادة فيه، والإيمان الصادق الذي لا تسيطر عليه الأماني والأحلام هو الاتجاه إلى الله تعالى، ولذا قال سبحانه:
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=30364_30394_30415_30503_34134_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
* * *
وَهُنَا يَذْكُرُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَزَاءَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا صَالِحًا، فَيُعَيِّنُهُ، وَلَا يَتْرُكُهُ مُجْمَلًا، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ جَزَاءَ الشَّرِّ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ صِنْفَ الْجَزَاءِ. وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَالْعَمَلِ، وَأَنَّهُ بِهَذَا لَا يَظْلِمُ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ، فَالْجَرِيمَةُ وَالْعِقَابُ مُتَسَاوِيَانِ.
وَهُنَا مُلَاحَظَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ أَيْ أَنَّهُ يَعْمَلُ بَعْضَ الصَّالِحَاتِ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ الصَّالِحَاتِ، بَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْضَهَا; لِأَنَّ طَاقَتَهُ النَّفْسِيَّةَ وَالْبَدَنِيَّةَ لَا تُمَكِّنُهُ مَنْ عَمِلِ كُلِّ الْخَيْرِ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ الْقُصُورَ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَطْلُبُ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا يُطِيقُ مِنْ غَيْرِ شُقَّةٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يُطَالِبِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَقْصَى الْغَايَةِ مِنَ الْعِبَادَةِ، بَلْ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655982 "سَدَّدُوا وَقَارَبُوا".
وَالْمُلَاحَظَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ(مِنْ) هُنَا بَيَانِيَّةٌ، فَهِيَ بَيَانٌ لِمَنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا تَشْمَلُ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ، إِلَّا مَا يَقُومُ الدَّلِيلُ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ مُخْتَصٌّ بِحُكْمٍ; لِأَنَّهُ يَكُونُ مُلَائِمًا لِطَبِيعَتِهِ، وَإِنَّ ذِكْرَ الْإِنَاثِ
[ ص: 1873 ] فِي الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30531_29468إِشْعَارٌ بِكَمَالِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ، وَأَنَّ لَهَا حُقُوقًا، وَعَلَيْهَا وَاجِبَاتٌ اقْتَضَاهَا التَّكْلِيفُ فَمَا مِنْ عِبَادَةٍ إِلَّا طُولِبَتْ بِهَا الْمَرْأَةُ كَمَا طُولِبَ بِهَا الرَّجُلُ، وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ اخْتِصَاصٌ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ كَالْجِهَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ الرُّجُولَةُ ذَاتُهَا. وَالْإِعْفَاءُ مِنْ وَاجِبٍ شَاقٍّ لَا يُعَدُّ حِرْمَانًا، وَفِي الْحَقِّ إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقُومُ بِوَاجِبَاتٍ شَاقَّةٍ تَنْفَرِدُ بِهَا أَيْضًا، كَالْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ، وَالْقِيَامِ عَلَى شُؤُونِ الْأَوْلَادِ فِي الْمَهْدِ.
وَقَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531اشْتُرِطَ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَعْمَلُهَا مُتَّصِفًا بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ قَدْ قُصِدَ بِهِ وَجْهُهُ وَحْدَهُ. فَالثَّوَابُ لَيْسَ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَمَلِ، بَلْ عَلَى النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَصْدِ الْخَيْرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَزَاءَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا أَيْ لَا يُنْقَصُونَ مِنْ عَمَلِهِمُ الصَّالِحِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا صَغِيرًا بِقَدْرِ النَّقِيرِ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ، فَتَظْهَرُ كَثُقْبٍ صَغِيرٍ، وَتُسَمَّى نُقْرَةٌ كَأَنَّهَا حَصَلَتْ بِمِنْقَارِ طَائِرٍ صَغِيرٍ، وَيَضْرِبُ الْعَرَبُ بِهَا الْمَثَلَ فِي الْقِلَّةِ.
وَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَزَاءِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَبْدُ إِلَّا بِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَ الصَّالِحَاتِ وَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ عَلَيْهَا، وَلَا يُنْقِصُ شَيْئًا فَهُوَ يُفِيضُ بِالثَّوَابِ، وَلَا يُنْقِصُ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ.
وَقَدْ تَسَاءَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ لِمَاذَا ذَكَرَ عَدَمَ الظُّلْمِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عَمَلِ السُّوءِ؟ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ مُلَاحَظٌ هُنَاكَ بِذِكْرِهِ هُنَا. وَفِي الْحَقِّ إِنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ مُلَاحَظٌ هُنَاكَ مِنَ النَّصِّ ذَاتِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَهَذَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، وَمُؤَدَّى هَذَا أَلَّا يَظْلِمَ، وَكَانَ الْجَزَاءُ عَمَلَ الْغَيْرِ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَنْقُصُوا، أَمَّا فِي
[ ص: 1874 ] عَمَلِ الشَّرِّ، فَالْجَزَاءُ لَا زِيَادَةَ فِيهِ، وَالْإِيمَانُ الصَّادِقُ الَّذِي لَا تُسَيْطِرُ عَلَيْهِ الْأَمَانِي وَالْأَحْلَامُ هُوَ الِاتِّجَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
* * *