إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي: إن الذين يتركون عهد الله تعالى في مقابل عرض من أعراض الدنيا يستبدلون ثمنا قليلا بأمر جليل إذ إن من يترك عهد الله الذي عاهد الناس عليه ويمين الله التي وثق بها ذلك العهد يفقد ثقة الناس، ومن فقد ثقة الناس لا يأمنونه، وتلك خسارة كبيرة، وإذا فقد المجتمع الثقة بين آحاده صار كل واحد ينظر إلى الآخر كما ينظر الوحش إلى فريسته، فيذهب الاطمئنان، فتكون الجماعة كقطيع من الذئاب.
وعهد الله تعالى يشتمل معنيين: أحدهما: ما التزمه بمقتضى فطرته والتكاليف الدينية والمدارك العقلية من أداء الحقوق والواجبات ومراعاة الأمانات، والثاني: ما يعطيه هو من عهود يذكر فيها اسم الله تعالى، ويوثقه بيمين الله تعالى أو لا يوثقه. وإن تراث هذه العهود له أثر في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فالنبذ والطرد. وأما أثره في الآخرة، فذكر سبحانه بعضه بقوله: أولئك لا خلاق لهم في الآخرة [ ص: 1285 ] أي: أولئك الذين ينكثون بالعهود ولا يحترمون يمين الله لا نصيب لهم في الآخرة من ثواب، ولكن مغبتهم حساب وعقاب، فخسروا الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أربعة أنواع من الجزاء تنالهم أولها: أن الله لا يكلمهم، وهذا كناية عن عدم محبته؛ لأن المحب مقبل على حبيبه، متحدث إليه، ومن فقد محبة الله فقد فقد معنى الوجود، وثانيها: أنه لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يرعاهم؛ لأنهم إذا فقدوا النظر إليهم منه سبحانه فقدوا كلاءته وحمايته، فعدم النظر كناية عن أنه لا يحميهم من العقاب، ولا ينزل بهم نعيما، والنوع الثالث: أنه لا يزكيهم، وذلك كناية عن عدم رضاه سبحانه؛ لأن من يرضى عن شخص يزكيه ويطريه ويثني عليه. والجزاء الرابع الذي هو نتيجة ما سبق من بغض الله، وسخطه، ومنع حمايته هو أن لهم عذابا مؤلما:
اللهم قنا عذاب النار، وامنحنا رضاك واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين.