وإن الحق الثابت المقرر أن الفضائل الدينية هي حق على المؤمن لكل إنسان، ويأثم إن لم يؤدها لكل إنسان، ولذا قال تعالى: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين
هذا تأكيد لبيان كذبهم على الله تعالى، و (بلى) هنا معناها: إثبات ما نفوه؛ لأنها تجيء في القول لإثبات المنفي، لقد نفوا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل، فقال سبحانه: بل عليكم فيهم سبيل، وأنتم معذبون بما تجرمون في شأنهم، ومثابون إن أوفيتم لهم بعهدهم وآمنتم، وقد علل سبحانه ذلك الحكم العادل بقضية دينية عامة ثابتة، وهي قوله سبحانه: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين
وإن معنى هذا النص السامي أن الذي ينال محبة الله تعالى رضاه سبحانه، لا بد أن يتحقق فيه وصفان:
أولهما: فكل ما يلتزمه من عهود، سواء أكان موضوعها أمرا ماديا كأداء الأمانات أم كان الموضوع أمرا معنويا كالقيام بحق من الحقوق - الوفاء به يستوجب رضا الله سبحانه، وكل غدر يكون فيه إبعاد عن رضوان الله سبحانه ومحبته. [ ص: 1284 ] ويدخل في العهود ما أودعه الله سبحانه قلب كل إنسان من إدراك للحق، وفهم له وإدراك لمعنى الدليل، فإذا لم يذعن له ويعلنه لا يكون موفيا للعهد. الوفاء بالعهد،
الوصف الثاني المستوجب لرضا الله ومحبته - هو التقوى بأن يشعر بحق الغير عليه ويؤمن به، ويجعل بينه وبين الاعتداء- أيا كان نوعه- وقاية.
هذان هما الوصفان اللذان يستوجبان محبة الله تعالى، وقد خلا اليهود منهما، فليسوا من محبة الله في شيء، وإن هذين الوصفين متداخلان، فالوفاء بالعهد داخل في التقوى، ولذلك قال سبحانه في جزاء الوصفين معا: فإن الله يحب المتقين أي: من أوفى بعهده واتقى فقد استحق محبة الله؛ لأن فيوفون بالعهد ويعطون كل ذي حق حقه، ويخشون مقت الله وعذابه، وأن الذي يسهل عدم الوفاء بالعهد أعراض الدنيا، وهي ثمن لا يساوي شيئا في جانب عدم رضا الله تعالى؛ ولذا قال سبحانه:
محبة الله تعالى لا يعطيها إلا لأهل التقوى الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله تعالى وقاية،