[ ص: 3848 ]
وبعد أن افتروا ذلك الافتراء إشباعا لنهمة الحقد أخذوا يستعطفون يوسف، ويثيرون عوامل الرحمة في نفسه قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين
ونادوه بالمنصب مهابة وإجلالا، وتقربا، وذكروا حالهم، وهو أن له أبا شيخا كبيرا قد تعلق به، وإن أي واحد منهم قابل لأن يكون في الرق مكانه، ولكن يوسف عليه السلام لا يريد أحدا غيره; لأنه حبيبه في باطن الأمر وفي ظاهره هو السارق، ويتخذ من الظاهر ذريعة إلى تحقيق الباطن، فباسم الظاهر يقول لإخوته: لا نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، فلا نأخذ غيره بجريرته، إنا إذا لظالمون، أي: إنا معشر الحاكمين نكون إذن ظالمين، إذا أخذنا مكان الجاني غيره، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وكل امرئ بما كسب رهين، وقد أكد الحكم بالظلم على من يؤخذ بدل الجاني.
ويلاحظ هنا أمران:
الأمر الأول: أن ينبوع الشفقة على أبيهم أخذ ينبع من قلوبهم، فقبلوا أن يكون أحدهم في الرق بدل أخيهم المحسود، رفقا بأبيهم، وللعهد الذي أخذ عليهم.
الأمر الثاني: أنهم نادوا يوسف بأنه العزيز، ويستفاد من الكلام أنه آل إليه أمر مصر، ويؤيد هذا أن أخبر الله بعد ذلك أنه استولى على العرش.
يئس الإخوة من أن يرجعوا بأخيهم إلى أبيهم، وقد صاروا في حيرة من أمرهم، ودفعتهم الحيرة إلى أن تعود قلوبهم إلى ما كانت عليه، ولذا قال تعالى عنهم: