الرجاء واليأس والماضي
قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح [ ص: 3847 ] الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم
* * *
استيقظ الحقد الدفين، فكذبوا على يوسف، وهو يخاطبهم، وهم في كلاءته وحمايته، فقالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل وإذا كانوا قد سلموا بالسرقة، لأنهم قامت لديهم الظاهرة الدالة عليها، فلماذا كان الافتراء على أخيه، وهم الذين سرقوه من أبيه، وألقوه في الجب، ولكنه الحقد والحسد لم يقتلهما الزمان، وأسر ذلك يوسف في نفسه، ولم يبدها لهم، كرما وهو القوي المسيطر ولكنه ليس جبارا، وليس حانقا، لأن الله سبحانه وتعالى جعل النتيجة خيرا ونعمة له، وكانت بحكم الله تعالى التمهيد لذلك السلطان، فكيف ينتقم وإذا كان لم يبد ما أسر فإنه وصفهم بوصفهم الحقيقي، وقال ما هو نفي للسرقة عن أخيه ونفسه قال أنتم شر مكانا أي: أنتم شر منزلة عند الله لأنكم سرقتم أخاكم، وصنعتم السوء من غير جريرة من أبيكم ولا أخيهم، والله أعلم علما ليس مثله علم بما تصفون ولو كانوا يعلمون أنه أخوهم يوسف لأدركوا المغزى والمرمى من القول، ولكنهم لم يعلموا، ولم يتوهموا أن يكون هو يوسف والضمير في فأسرها يعود إلى الفرية أو الكلمة.