يقول تعالى: متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون
أي: أن ما ينالونه في الدنيا ليس الفوز العظيم الذي يفوز به المتقون ولا الفلاح الذي يناله أهل الحق، وأن من يضحكون قليلا ويبكون كثيرا لا يعدون فائزين، بل متعجلين لأدنى النفع طاردين للمنفعة الباقية بالمنفعة العاجلة، والتنكير في كلمة متاع للتحقير والتصغير، والتعبير بمتاع يومئ إلى أنه قليل غير جليل، وقد حدد بأنه في الدنيا، ويرتضيه من يقبل الدنيا بدل الآخرة، ومن يطلبها ويطرح وراءها الآخرة.
ثم يقول سبحانه في عاقبة من يكذبون على الله ويتحدون الأنبياء: ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون كلمة (ثم) في موضعها من الترتيب والتراخي، والتراخي زمني ومعنوي، أما الزمني خلاف الرجوع إلى [ ص: 3613 ] الله بعد البعث والنشور وقيام الساعة، أما المعنوي فما بين متعة الدنيا الفانية وعذاب الآخرة الباقي إلينا مرجعهم فيه تقديم كلمة إلينا على مرجع، وفي ذلك معنى الاختصاص ووراءه الإنذار الشديد، أي: إلينا وحدنا رجوعكم وقد افتريتم الكذب وعبدتم غير الله فلابد أن تنالوا الجزاء الوفاق على ما قدمتم من قول باطل وعقيدة فاسدة وشرك بين، ولذا قال سبحانه: ثم نذيقهم العذاب الشديد وكلمة (ثم) على موضعها كأختها التي قبلها. وعبر الله تعالى عن العذاب بقوله نذيقهم للإشارة إلى أنه يصيب مشاعرهم وأحاسيسهم، يشعرون به، وكلما نضجت جلودهم بدلهم الله تعالى جلودا غيرها، ثم يبين سبحانه أن ذلك بما كانوا يكفرون حيث يدل الفعل الماضي والمضارع على الاستمرار على كفرهم يجددونه آنا بعد آن.
* * *