قوله تعالى : " واستفتحوا " يعني : استنصروا . وقرأ ، ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة وحميد ، وابن محيصن : " واستفتحوا " بكسر التاء على الأمر .
وفي المشار إليهم قولان :
أحدهما : أنهم الرسل ، قاله ، ابن عباس ، ومجاهد . وقتادة
والثاني : أنهم الكفار ، واستفتاحهم : سؤالهم العذاب ، كقولهم : ربنا عجل لنا قطنا [ص :16] وقولهم : إن كان هذا هو الحق من عندك . . . الآية [الأنفال :32] ، هذا قول ابن زيد .
قوله تعالى : " وخاب كل جبار عنيد " قال : خسر عند الدعاء ، وقال ابن السائب : خسر عند نزول العذاب ، وقال مقاتل : يئس من الإجابة . وقد شرحنا معنى الجبار والعنيد في (هود :59) . أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى : " من ورائه جهنم " فيه قولان :
أحدهما : أنه بمعنى القدام ، قال : يريد ، أمامه جهنم . وقال ابن عباس : " أبو عبيدة من ورائه " أي : قدامه وأمامه ، يقال : الموت من ورائك ، وأنشد :
[ ص: 352 ]
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
والثاني : أنها بمعنى : " بعد " قال : " ابن الأنباري من ورائه " أي : من بعد يأسه ، فدل " خاب " على اليأس ، فكنى عنه ، وحملت " وراء " على معنى : " بعد " كما قال : النابغة
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
أراد : ليس بعد الله مذهب . قال : والوراء يكون بمعنى الخلف والقدام ، لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك ، قال الشاعر : الزجاج
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال : وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة ، وسئل : لم قيل : الوراء للأمام ؟ فقال : الوراء : اسم لما توارى عن عينك ، سواء أكان أمامك أو خلفك . وقال ثعلب : إنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر ، تقول : وراءك برد شديد ، وبين يديك برد شديد . ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك : هو وراءك ، ولا للرجل : وراءك : هو بين يديك . الفراء
قوله تعالى : " ويسقى من ماء صديد " قال ، عكرمة ، واللغويون : الصديد : القيح والدم ، قاله ومجاهد ، وهو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه . [ ص: 353 ] وقال قتادة : هو غسالة أهل النار ، وذلك ما يسيل من فروج الزناة . وقال القرظي : المعنى : يسقى الصديد مكان الماء ، قال : ويجوز أن يكون على التشبيه ، أي : ما يسقى ماء كأنه صديد . ابن قتيبة
قوله تعالى : " يتجرعه " والتجرع : تناول المشروب جرعة جرعة ، لا في مرة واحدة ، وذلك لشدة كراهته له ، وإنما يكره على شربه .
قوله تعالى : " ولا يكاد يسيغه " قال : لا يقدر على ابتلاعه ، تقول : ساغ لي الشيء ، وأسغته . وروى الزجاج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أبو أمامة " . يقرب إليه فيكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره
قوله تعالى : " ويأتيه الموت " أي : هم الموت وكربه وألمه " من كل مكان " وفيه ثلاثة أقوال :
أحدها : من كل شعرة في جسده ، رواه عن عطاء . وقال ابن عباس : من كل عرق . وقال سفيان الثوري : تتعلق نفسه عند حنجرته ، فلا تخرج من فيه فتموت ، ولا ترجع إلى مكانها فتجد راحة . ابن جريج
[ ص: 354 ] والثاني : من كل جهة ، من فوقه وتحته ، وعن يمينه وشماله ، وخلفه وقدامه ، قاله أيضا . ابن عباس
والثالث : أنها البلايا التي تصيب الكافر في النار ، سماها موتا ، قاله . الأخفش
قوله تعالى : " وما هو بميت " أي : موتا تنقطع معه الحياة . " ومن ورائه " أي : من بعد هذا العذاب . قال : من بعد الصديد " ابن السائب عذاب غليظ " . وقال إبراهيم التيمي : بعد الخلود في النار . والغليظ : الشديد .