قوله تعالى : " يوم يأت " قرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " يوم يأتي " بياء في الوصل ، وحذفوها في الوقف ; غير أن والكسائي كان يقف بالياء ، ويصل بالياء . وقرأ ابن كثير ، عاصم ، وابن عامر بغير ياء في الوصل والوقف . قال وحمزة : الذي يختاره النحويون " يوم يأتي " بإثبات الياء ، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء ، الزجاج وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرا . وقد حكى ، الخليل ، أن وسيبويه العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء ، وتجتزئ بالكسرة ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . وقال : كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور ، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم ، فإن الفراء العرب تحذفها وتجتزئ بالكسرة من الياء ، وبالضمة من الواو ، وأنشدني بعضهم :
كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
قال المفسرون : وقوله : " يوم يأتي " يعني : يأتي ذلك اليوم ، لا تكلم نفس إلا بإذن الله ، فكل الخلائق ساكتون ، إلا من أذن الله له في الكلام . وقيل : المراد بهذا الكلام الشفاعة .
قوله تعالى : " فمنهم شقي " قال : منهم من كتبت عليه الشقاوة ، ومنهم من كتبت له السعادة . ابن عباس
قوله تعالى : " لهم فيها زفير وشهيق " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الزفير كزفير الحمار في الصدر ، وهو أول ما ينهق ، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق ، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، رواه عن أبو صالح ، وبه قال ابن [ ص: 159 ] عباس ، الضحاك ، ومقاتل . وقال والفراء : الزفير : شديد الأنين وقبيحه ، والشهيق : الأنين الشديد المرتفع جدا ، وهما من أصوات المكروبين . وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق . الزجاج
والثاني : أن الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدور ، رواه عن الضحاك ، وبه قال ابن عباس ، أبو العالية . وفي رواية أخرى عن والربيع بن أنس : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق : الصوت الضعيف . وقال ابن عباس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق رد النفس ، والزفير إخراج النفس . وقال غيره : الزفير : الشديد ، مأخوذ من الزفر ، وهو الحمل على الظهر لشدته ; والشهيق : النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي : طويل . ابن فارس
والثالث : أن الزفير زفير الحمار ، والشهيق شهيق البغال ، قاله . ابن السائب
قوله تعالى : " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " المعروف فيه قولان :
أحدهما : أنها السموات المعروفة عندنا ، والأرض المعروفة ; قال ، ابن قتيبة : وابن الأنباري للعرب في معنى الأبد ألفاظ ; تقول : لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السموات والأرض ، وما اختلفت الجرة والدرة ، وما أطت الإبل ، في أشباه لهذا كثيرة ، ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير ، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم .
[ ص: 160 ] والثاني : أنها سماوات الجنة والنار وأرضهما .
قوله تعالى : " إلا ما شاء ربك " في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال :
أحدها : أن الاستثناء في حق الموحدين الذين يخرجون بالشفاعة ، قاله ، ابن عباس . والضحاك
والثاني : أنه استثناء لا يفعله ، تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك على ضربه ، ذكره ، وهو معنى قول الفراء أبي صالح عن : " ابن عباس إلا ما شاء ربك " قال : فقد شاء أن يخلدوا فيها . قال : وفائدة هذا ، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم ، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدا . الزجاج
والثالث : أن المعنى : خالدين فيها أبدا ، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم ، فيرجع الاستثناء إلى تلك الحال ، قاله . ابن مسعود
والرابع : أن " إلا " بمعنى " سوى " تقول : لو كان معنا رجل إلا زيد أي : سوى زيد ; فالمعنى : خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة ، وهذا اختيار . قال الفراء : ومثله في الكلام أن تقول : لأسكننك في هذه الدار حولا إلا ما شئت ; تريد : سوى ما شئت أن أزيدك . ابن قتيبة
والخامس : أنهم إذا حشروا وبعثوا ، فهم في شروط القيامة ; فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب ، فالمعنى : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة ، ذكره . وقال الزجاج : الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ; قال ابن كيسان : فالمعنى : خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إلا ما شاء ربك [ ص: 161 ] من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك ، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل ، وإن كانتا قد تتغيران . واستثنى المشيئة من دوامهما ، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ، ولا في النار . ابن قتيبة
والسادس : أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا ، إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر ; وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذكر ، ولهم مما لم يذكر ما شاء ربك ، ذكره أيضا . الزجاج
والسابع : أن " إلا " بمعنى " كما " ومنه قوله : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء :22] ، ذكره . الثعلبي
فأما الاستثناء في حق أهل الجنة ، ففيه ستة أقوال :
أحدها : أنه استثناء لا يفعله . والثاني : أن " إلا " بمعنى " سوى " . والثالث: أنه يرجع إلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور . والرابع : أنه بمعنى : إلا ما شاء أن يزيدهم من النعيم الذي لم يذكر . والخامس : أن " إلا " بمعنى " كما " ، وهذه الأقوال قد سبق شرحها . والسادس : أن الاستثناء يرجع إلى لبث من لبث في النار من الموحدين ، ثم أدخل الجنة ، قاله ، ابن عباس ، والضحاك . قال ومقاتل : فيكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار ، فكأنه قال : إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين إلى الجنة ، وخالدين في الجنة إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة . ابن قتيبة
واختلف القراء في " سعدوا " فقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو وابن [ ص: 162 ] عامر ، عن وأبو بكر : " سعدوا " بفتح السين . وقرأ عاصم ، حمزة ، والكسائي وحفص عن : بضمها ، وهما لغتان . عاصم
قوله تعالى : " عطاء غير مجذوذ " نصب عطاء بما دل عليه الكلام ، كأنه قال : أعطاهم النعيم عطاء . والمجذوذ : المقطوع ; قال : يقال جذذت ، وجددت ، وجذفت ، وجدفت : إذا قطعت . ابن قتيبة