وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم
اعترفوا بذنوبهم : أي: لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا متذممين نادمين، وكانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام . وقيل : كانوا عشرة، فسبعة منهم أوثقوا [ ص: 88 ] أنفسهم: بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت عادته -صلى الله عليه وسلم- كلما قدم من سفر ، فرآهم موثقين، فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا ألا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم ألا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت، فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: "ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا"; فنزلت: خذ من أموالهم، عملا صالحا : خروجا إلى الجهاد، وآخرون اعترفوا : تخلفا عنه، عن وعن الحسن : التوبة والإثم . الكلبي
فإن قلت: قد جعل كل واحد منهما مخلوطا فما المخلوط به؟
قلت: كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به; لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر، كقولك: خلطت الماء واللبن، تريد: خلطت كل واحد منهما بصاحبه، وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن; لأنك جعلت الماء مخلوطا، واللبن مخلوطا به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما; كأنك قلت: خلطت الماء باللبن، واللبن بالماء، ويجوز أن يكون من قولهم: بعت الشاة شاة ودرهما، بمعنى: شاة بدرهم . [ ص: 89 ] فإن قلت: كيف قيل: أن يتوب عليهم ، وما ذكرت توبتهم ؟
قلت: إذا ذكر اعترافهم بذنوبهم، وهو دليل على التوبة، فقد ذكرت توبتهم .