وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون
عزير ابن الله : مبتدأ وخبر; كقوله: المسيح ابن الله، وعزير: اسم أعجمي، كعازر، وعيزار، وعزرائيل، ولعجمته وتعريفه: امتنع صرفه. ومن نون فقد جعله عربيا. وأما قول من قال: سقوط التنوين للالتقاء الساكنين; كقراءة من قرأ: "أحد الله"، أو لأن الابن وقع وصفا، والخبر محذوف، وهو معبودنا، فتمحل عنه مندوحة، وهو قول ناس من اليهود ممن كان بالمدينة، وما هو بقول كلهم، عن -رضي الله عنه-: ابن عباس جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفي، وشاش بن قيس، ومالك بن الصيف ، فقالوا ذلك، وقيل: قاله فنحاص، وسبب هذا القول: أن اليهود قتلوا الأنبياء بعد موسى -عليه السلام- فرفع الله عنهم التوراة، ومحاها من قلوبهم، فخرج عزير وهو غلام يسيح في الأرض، فأتاه جبريل -عليه السلام- فقال له: إلى أين تذهب ؟ قال: أطلب العلم فحفظه التوراة، فأملاها عليهم عن ظهر لسانه، لا يخرم حرفا، فقالوا: ما جمع الله التوراة في صدره وهو غلام إلا لأنه ابنه، والدليل على أن هذا القول [ ص: 34 ] كان فيهم: أن الآية تليت عليهم، فما أنكروا ولا كذبوا، مع تهالكهم على التكذيب .
فإن قلت: كل قول يقال بالفم فما معنى قوله: ذلك قولهم بأفواههم ؟
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن يراد أنه قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ يفوهون به، فارغ من معنى تحته كالألفاظ المهملة التي هي أجراس ونغم لا تدل على معان; وذلك أن القول الدال على معنى لفظه مقول بالفم، ومعناه مؤثر في القلب، وما لا معنى له مقول بالفم لا غير.
والثاني: أن يراد بالقول المذهب; كقولهم: قول ، يريدون مذهبه وما يقول به، كأنه قيل: ذلك مذهبهم ودينهم بأفواههم لا بقلوبهم، لأنه لا حجة معه، ولا شبهة حتى يؤثر في القلوب; وذلك أنهم إذا اعترفوا أنه لا صاحبة له لم تبق شبهة في انتفاء الولد، ( يضاهون ) : لا بد فيه من حذف مضاف تقديره: يضاهي قولهم قولهم، ثم حذف المضاف، وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه، فانقلب مرفوعا، والمعنى: أن الذين كانوا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم، يعني: أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث، أو يضاهي قول المشركين: الملائكة بنات الله تعالى الله عنه. وقيل: الضمير للنصارى، أي: يضاهي قولهم: أبي حنيفة المسيح ابن الله قول اليهود: عزير ابن الله، لأنهم أقدم منهم. وقرئ: "يضاهؤون" بالهمز من قولهم: امرأة ضهيأ على فعيل: وهي التي ضاهأت الرجال في أنها لا تحيض وهمزتها مزيدة كما في عرقئ، قاتلهم الله : أي: هم أحقاء بأن يقال لهم هذا; تعجبا من شناعة قولهم، كما يقال لقوم ركبوا شنعاء: قاتلهم الله ما أعجب فعلهم، أنى يؤفكون : كيف يصرفون عن الحق ؟ .