[ ص: 313 ] [سورة عبس]
مكية، وآياتها 42 وقيل 41 [نزلت بعد النجم]
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأم مكتوم أم أبيه، واسمه ابن أم مكتوم عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي وعنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام . ، والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة ، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم. فقال: يا رسول الله، [ ص: 314 ] أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين ; وقال : رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء. أنس
وقرئ: "عبس" بالتشديد للمبالغة; ونحوه: كلح في كلح. أن جاءه منصوب ب "تولى"، أو ب "عبس"، على اختلاف المذهبين. ومعناه: عبس لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك. وقرئ آن جاءه بهمزتين وبألف بينهما، ووقف على عبس وتولى ثم ابتدئ، على معنى: ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكارا عليه. وروي أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني. وفي الإخبار عما فرط منه، ثم الإقبال عليه بالخطاب: دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانيا جنى عليه، تم يقبل على الجاني إذا حمي في الشكاية مواجها له بالتوبيخ وإلزام الحجة. وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك، كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفا وتقريبا وترحيبا، ولقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا; فقد روي عن رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء. سفيان الثوري وما يدريك وأي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى؟ لعله يزكى أي: يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم أو يذكر أو يتعظ فتنفعه ذكراك، أي: موعظتك; وتكون له لطفا في بعض الطاعات. والمعنى: أنك لا تدري ما هو مترقب منه، من تزك أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك. وقيل: الضمير في لعله للكافر. يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام، أو يتذكر فتقربه الذكرى إلى قبول الحق; وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرئ فتنفعه، بالرفع عطفا على يذكر. وبالنصب جوابا للعل، كقوله: فأطلع إلى إله موسى [غافر: 37]. تصدى تتعرض بالإقبال عليه، والمصاداة، المعارضة; وقرئ: [ ص: 315 ] تصدى، بالتشديد، بإدغام التاء في الصاد. وقرأ أبو جعفر: تصدى، بضم التاء، أي: تعرض. ومعناه: يدعوك داع إلى التصدي له: من الحرص والتهالك على إسلامه، وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام إن عليك إلا البلاغ [الشورى: 48]. يسعى يسرع في طلب الخير وهو يخشى الله أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك. وقيل: جاء وليس معه قائد، فهو يخشى الكبوة تلهى تتشاغل، من لهي عنه. والتهى. وتلهى. وقرأ : تتلهى، وقرأ طلحة بن مصرف : تلهى؛ أي: يلهيك شأن الصناديد، فإن قلت: قوله: أبو جعفر فأنت له تصدى ، "فأنت عنه تلهى" كأن فيه اختصاصا قلت: نعم، ومعناه: إنكار التصدي والتلهي عليه، أي: مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغني ويتلهى عن الفقير.