ص ( وهل بلاحن مطلقا أو في الفاتحة وبغير مميز بين ضاد وظاء خلاف )
ش : ذكر مسألتين ، وذكر أن في كل منهما خلافا أي قولين مشهورين أشار إلى الأولى منهما بقوله : وهل بلاحن مطلقا أو في الفاتحة أي : وهل تبطل الصلاة بالاقتداء باللاحن مطلقا أي سواء كان لحنه في الفاتحة أو غيرها ، وسواء غير لحنه المعنى أم لا ، أو إنما تبطل الصلاة بالاقتداء باللاحن في الفاتحة ، وأما اللاحن في غيرها ، فلا تبطل الصلاة بالاقتداء به ، وقد حكى اللخمي وابن رشد والمازري وغيرهم في إمامة اللحان [ ص: 100 ] أربعة أقوال قال وابن الحاجب اللخمي : وفي أربعة أقوال : فقيل جائزة ، وقيل : ممنوعة ، وقيل : إمامة من يلحن لم يجز ، وإن كان في غيرها جاز ، وقال إن كان لحنه في أم القرآن إن كان لا يغير معنى جازت إمامته ، وإن كان يغير المعنى فيقول : إياك نعبد ، وأنعمت عليهم ، فيجعل الكاف للمؤنث ، والإنعام لنفسه لم يجز ، وقاله أبو الحسن القصار أبو محمد عبد الوهاب ، وأما فتصح إمامته ; لأنه ليس في ذلك إحالة معنى ، وإنما هو نقصان حروف ، والقول بالمنع ابتداء إذا وجد غيره أحسن ، إذا كان غيره ممن يقيم قراءته فإن أم مع وجود غيره مضت صلاته وصلاتهم ; لأن لحنه لا يخرجه عن أن يكون قرآنا ، ومع أنه لو سلم أن ذلك ليس بقرآن لم تفسد صلاته ; لأنه لم يتعمد كلاما في صلاته ، وقد اختلف فيمن الأعجمي الذي يلفظ بالضاد ظاء ، والألثغ الذي يلفظ بالراء خفيف الغين طبعا كيف بهذا ، واللحن لا يقع في القراءة في الغالب إلا في أحرف يسيرة ؟ ولو تكلم جهلا هل تفسد صلاته لأجزأه ، ولا فرق بين ما يغير معنى أم القرآن وغيرها ; لأن القارئ لا يقصد موجب ذلك اللحن ، ولا يعتقد من ذلك إلا ما يعتقده من لا لحن عنده انتهى . اقتصر المصلي على القدر الذي يسلمه من اللحن
وقوله : والقول بالمنع ابتداء إلى آخره راجع إلى اللحان كما يدل عليه كلامه ، وكما يفهم من كلام ابن عرفة ، ونصه اللخمي في جواز إمامة اللحان ثالثها : إن كان في غير الفاتحة ، ورابعها : للقاضي مع إن لم يغير المعنى ، والأحسن المنع إن وجد غيره ، فإن أم لم يعد مأمومه انتهى . ابن القصار
فيكون اختياره خامسا : وهو المنع من إمامته ابتداء إذا وجد غيره فإن أم صحت صلاته وصلاتهم ، وقال ابن رشد في شرح المسألة التاسعة من رسم الصلاة : الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة : وقد اختلف في على أربعة أقوال : أحدها أن الصلاة خلفه لا تجوز ، وإن لم يلحن في أم القرآن إذا كان يلحن في سواها قاله بعض المتأخرين تأويلا على ما الذي يحسن القرآن أي يحفظ ، ولا يحسن قراءته ويلحنه لابن القاسم في المدونة في الذي لا يحسن القرآن ; لأنه حمله على الذي لا يحسن القراءة ، وقال : إنه لم يفرق فيها بين أم القرآن وغيرها ، وهو بعيد في التأويل غير صحيح في النظر ، والثاني : أن الصلاة خلفه جائزة إذا كان لا يلحن في أم القرآن ، ولا تجوز إذا كان يلحن في أم القرآن ، والثالث : أن الصلاة خلفه غير جائزة إذا كان لحنه يتغير منه المعنى مثل أن يقول : إياك بكسر الكاف ، وأنعمت برفع التاء ، وما أشبه ذلك ، ويجوز إذا كان لحنه لا يتغير منه المعنى مثل أن يقول : الحمد لله بكسر الدال من " الحمد " ورفع الهاء من " لله " ، وما أشبه ذلك ، وهذا قول ابن القصار وعبد الوهاب ، والرابع : أن الصلاة خلفه مكروهة فإن وقعت لم تجب إعادتها ، وهو الصحيح من الأقوال ; لأن القارئ لا يقصد ما يقتضيه اللحن بل يعتقد بقراءته ما يعتقد بها من لا يلحن فيها ، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ومن الحجة في ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخل المسجد فمر بالموالي ، وهم يقرءون ويلحنون ، فقال : نعم ما يقرءون ، ومر بالعرب ، وهم يقرءون ، ولا يلحنون ، فقال هكذا أنزل } ، وأما الألكن الذي لا تتبين قراءته ، والألثغ الذي لا يتأتى له النطق ببعض الحروف ، والأعجمي الذي لا يفرق بين الظاء والضاد والسين والصاد ، وما أشبه ذلك ، فلا اختلاف أنه لا إعادة على من ائتم بهم ، وإن كان الائتمام بهم مكروها إلا أن لا يوجد من يرضى به سواهم انتهى .
، وقال في شرح التلقين ، وأما اللحان فاختلف فيه المتأخرون من أصحابنا فقيل : لا تصح الصلاة خلفه ، ولو كان لحنه في غير أم القرآن قاله المازري الشيخ أبو الحسن ، وقيل : إن كان لحنه في أم القرآن ، لم تصح الصلاة خلفه ، وإن كان في غير أم القرآن أجزأت الصلاة خلفه قاله ووافقه ابن اللباد ورأى أن الإمام لا تصح صلاته أيضا ، وقيل : إن كان لحنه لا يغير معنى صحت إمامته ما لم يتعمد ذلك فتفسد بتعمده ، وإن كان لحنه يغير المعنى لم تصح إمامته ، وإليه ذهب القاضيان ، وحكى ابن أبي زيد اللخمي قولا رابعا ، وهو [ ص: 101 ] الجواز على الإطلاق ، ولم أقف عليه ثم قال ، وقد قال فيمن صلى خلف من لم يلحن في أم القرآن فليعد يريد إلا أن تستوي حالهم انتهى . ابن أبي زيد
وقال ابن يونس القابسي : قال هو : وكذلك من لم يميز في أم القرآن الظاء من الضاد ، وإن لحن فيما عدا أم القرآن فذكر عن وأبو محمد ابن اللباد وأبي محمد وابن شبلون أنه تجزئ الصلاة خلفه ، وقال أبو الحسن القابسي : لا تجزئه واحتج بظاهر قول فيمن لا يحسن القرآن ، ولم يفرق بين أم القرآن وغيرها قال : وهو واضح كمن ترك السورة عامدا انتهى . مالك
وقال في تهذيب الطالب حكى عن عبد الحق أبي محمد وأبي الحسن فيمن يلحن في أم القرآن أن صلاته وصلاة من ائتم به فاسدة ، قالا : وكذلك من لم يميز في أم القرآن الظاء من الضاد أنه يعيد ، ورأيت في بعض التعاليق للقرويين فيمن يلحن فيما عدا أم القرآن ، قال : تجزئ الصلاة خلفه ، وبه قال ابن اللباد أبو محمد وابن شبلون ، وقال أبو الحسن القابسي : لا تجزئ الصلاة خلفه ، واحتج بظاهر قول فيمن لا يحسن القرآن ، وإنه لم يفرق بين أم القرآن ، ولا بين غيرها ، قال مالك الشيخ : قول أبي الحسن عندي أصح ، ولا حجة لمن احتج بأن أم القرآن تجزئ عن غيرها ، وأنه لا يكون أشد حالا ممن ترك ما عدا أم القرآن ; لأن القرآن باللحن ، وما لا يجوز ليس من القرآن الذي يحل أن يتلوه على تلك الحال فأشبه الكلام عمدا أو جهلا ، وقد قال في الكتاب : إن الذي لا يحسن أشد ممن ترك القراءة ، وهذا عندي - والله أعلم - أن الذي قرأ ، ولا يحسن ما يقرأ هو يشبه المتكلم كما ذكرت ، فالتارك أيسر منه ; لأن الناس اختلفوا في ناسي أم القرآن : هل تفسد صلاته انتهى .
وفي النوادر : وقال ابن حبيب : وتكره ، وإن لم يكن فيهم مرضي الحال ، فاللحان الألكن ، والأمي الذي معه من القرآن ما يغنيه في صلاته أولى من قارئ لا يرضى حاله ، وقال لنا إمامة اللحان إذا كان فيهم من هو أصوب قراءة منه من صلى خلف من يلحن في أم القرآن فليعد يريد إلا أن يستوي حالهم في ذلك انتهى . أبو بكر بن محمد يعني ابن اللباد
فتحصل أن في صلاة المقتدي باللحان ستة أقوال : الأول : أنها باطلة سواء كان لحنه في الفاتحة أو غيرها وسواء غير المعنى أو لا ، وهذا القول الذي ذكره ابن يونس عن ابن القابسي وأنه تأوله على المدونة ، وقال : إنه أصح قال المصنف في التوضيح : وفي قول : والشاذ الصحة إشارة إلى أن المشهور البطلان لكن لا أعلم . ابن الحاجب
من صرح بتشهيره نعم قال القابسي ، وهو الصحيح واحتج له بقوله في المدونة : ولا يصلي من يحسن خلف من لا يحسن القراءة ، وهو أشد من تركها قال ، ولم يفرق في المدونة بين فاتحة وغيرها ، ولا بين من يغير المعنى وغيره انتهى .
ونقل ابن عرفة عن ابن يونس أنه نقل هذا القول عن ابن القابسي وزاد فيه إن لم تستو حالهما .
( قلت ) ، ولم أقف في كلام ابن يونس على هذه الزيادة في هذا القول وإنما ذكرها في قول كما تقدم ، وهذا القول هو الذي قدمه ابن اللباد المصنف معتمدا على تصحيح عبد الحق وابن يونس ، وإن كان ابن رشد قد ضعفه ورده ( القول الثاني ) : إن كان لحنه في أم القرآن لم يصح الاقتداء به ، وإن كان لحنه في غيرها صحت الصلاة خلفه ، وهذا قول ابن اللباد وابن أبي زيد وابن شبلون قال في التوضيح ابن عبد السلام وبهذا كان كثير من أدركنا يفتي انتهى .
( قلت ) : قال ابن ناجي في شرح المدونة : وشاهدت شيخنا الشبيبي يفتي به بالقيروان ، وكذلك أفتى به غير واحد انتهى .
وقيده ابن يونس بأن لا تستوي حال الإمام والمأموم كما تقدم في كلامه ، وهذا هو القول الثاني في كلام المصنف ( القول الثالث ) : إن كان لحنه يغير المعنى لم تصح الصلاة خلفه ، وإن لم يغير المعنى صحت إمامته ، وهذا قول والقاضي ابن القصار عبد الوهاب ( والقول الرابع ) : أن الصلاة خلفه مكروهة ابتداء فإن وقع ونزل لم تجب الإعادة ، وهذا قول ابن حبيب ، وقال ابن رشد إنه أصح الأقوال كما تقدم ( القول الخامس ) أن إمامته ممنوعة ابتداء مع وجود غيره [ ص: 102 ] فإن أم مع وجود غيره صحت صلاته وصلاتهم ، وهذا اختيار اللخمي كما تقدم ( القول السادس ) أن الصلاة خلف اللحان جائزة ابتداء ، وهذا القول حكاه اللخمي كما تقدم وأنكره ، وقال لم أقف عليه كما تقدم ، وقال المازري ابن عرفة : قال : نقل المازري اللخمي الجواز مطلقا لا أعرفه ، قال ابن عرفة : قلت عزاه ابن رشد لابن حبيب واختاره انتهى .
قال ابن ناجي في شرح المدونة ، وفيما قاله ابن عرفة نظر ; لأنه إنما عزا لابن حبيب الكراهة انتهى .
( قلت ) ما قاله ابن ناجي ظاهر ( تنبيهات الأول : ) لم يذكر المصنف القول بصحة مطلقا مع أنه هو الذي اختاره صلاة المقتدي باللحان اللخمي وابن رشد ، وقال : إنه أصح الأقوال ، ويظهر من كلام غير واحد من الشيوخ ترجيحه ، وعلم مما تقدم أن القول السادس ضعيف شاذ ، وأن بقية الأقوال الخمسة مرجحة مصححة وأرجحها ثلاثة القولان اللذان ذكرهما المصنف والقول الذي رجحه ابن رشد وأرجحها والله أعلم .
القول الذي لابن رشد واللخمي وعلم أيضا مما تقدم أن قول : والشاذ الصحة غير ظاهر ; لأن القول بالصحة غير شاذ ، والله أعلم . ابن الحاجب
ولعله أراد أن يقول : والشاذ الجواز ( الثاني ) : تكلم المصنف على حكم صلاة المقتدي باللحان ، ولم يذكر حكم صلاته هو في نفسه ، وكذلك غيره من الشيوخ لم يذكروا حكم صلاته هو إلا ما يؤخذ من نقولهم السابقة ، ولا شك في صحة صلاته على القول الذي اختاره ابن رشد ، وعلى القول الذي اختاره اللخمي ، وعلى القول الضعيف الذي حكاه اللخمي جواز الاقتداء به ، وبقي النظر في حكم صلاته على القولين اللذين ذكرهما المصنف ، وعلى قول القاضي عبد الوهاب بالتفريق بين أن يغير لحنه المعنى أو لا ، فلا شك في صحة صلاته في الوجه الذي تصح فيه صلاة المقتدي به ، والذي يقتضيه كلام وابن القصار اللخمي وابن رشد أن صلاته هو في نفسه صحيحة مطلقا وإنما الخلاف في صلاة من اقتدى به ، وهو الذي يقتضيه كلام ابن يونس فإنه لما ذكر قول ببطلان صلاة من يلحن في أم القرآن ، قال : يريد إلا أن يستوي حالهما ، وذكر عنه ابن اللباد ابن عرفة أنه قال مثل ذلك لما ذكر قول القابسي بالبطلان مطلقا ، والذي يقتضيه كلام المازري وعبد الحق والمصنف في التوضيح أنه إذا بطلت صلاة المقتدي به بطلت صلاته ، قال بعد كلامه السابق : وسبب الخلاف في هذه المسألة هل يخرج اللحن الكلمة الملحون فيها عن كونها قرآنا ويلحقها بكلام البشر أو لا يخرجها عن كونها قرآنا انتهى . المازري
كلام السابق ، وقال في التوضيح الخلاف المذكور ينبني على أن اللحن هل يلحق القراءة بكلام الناس ويخرجه عن كونه قرآنا أم لا انتهى . عبد الحق
والذي يظهر أن يفصل في ذلك على ما سنذكره في التنبيه الثالث ، والله أعلم .
( الثالث ) : إذا وقع اللحن من المصلي في الصلاة ، فلا يخلو : إما أن يكون سهوا أو غير سهو فإن كان سهوا ، فلا شك أن ذلك لا يبطل الصلاة سواء وقع في الفاتحة أو في غيرها ، وسواء غير المعنى أم لم يغيره ; لأن غايته أن يكون ذلك بمنزلة من تكلم في الصلاة سهوا ، وذلك لا يبطلها ، وغايته أيضا أن يكون اللاحن أسقط من الفاتحة كلمة أو كلمتين أو ثلاثا سهوا ; لأن ذلك أكثر ما يمكن أن يقع فيه اللحن سهوا في الغالب ، وذلك لا يبطلها ; لأنه قد تقدم أن من ترك آية منها سجد للسهو ، ولا تبطل صلاته فكيف بالكلمتين والثلاث فكيف بمن لم يترك ذلك حقيقة ، وإن كان اللحن الواقع في الصلاة على غير وجه السهو ، فلا يخلو : إما أن يكون عمدا مع القدرة على الإتيان بالصواب أو أتى به المصلي لعدم قدرته على الإتيان بالصواب ، فإن كان ذلك مع القدرة على الإتيان بالصواب ، فلا شك في بطلان صلاة فاعل ذلك وصلاة من اقتدى به ; لأنه قد تكلم في الصلاة بغير القرآن والذكر عمدا ، والكلمة الواحدة تبطل الصلاة ، وإن كان اللحن لعدم القدرة على الإتيان بالصواب فإن كان ذلك لعجز عن التعليم أما لعدم قبول ذلك [ ص: 103 ] طبعا كبعض الأعاجم وجفاة الأعراب وكثير من العبيد والإماء ، أو لضيق الوقت عن التعليم مع عدم القدرة على الائتمام بمن لا يلحن في الوجهين فلا شك في صحة صلاته في نفسه ويصير ذلك كاللكنة ويجري الخلاف المتقدم في صلاة المقتدى به ، وإن كان ذلك مع القدرة على التعلم وإمكانه وإمكان الاقتداء فيجري الخلاف في صلاته هو على الخلاف فيمن عجز عن الفاتحة وقدر على الائتمام هل تبطل صلاته أم لا ، وتقدم أن في ذلك قولين وأن ظاهر المذهب البطلان ، وأشار المصنف في التوضيح إلى هذا وقال : والظاهر أن من يمكنه التعلم كالجاهل في البابين قال في التوضيح يريد بالبابين اللحان والألكن ، ويعني أنه إذا أمكن كل واحد منهما أن يتعلم فهو غير معذور انتهى ، والله أعلم . ابن الحاجب