الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو بافتقاره أو ترك ولده للصدقة إن لم يخش هلاكا )

                                                                                                                            ش : يعني أنه إذا كان مع المكلف ما يكفيه لسفره لكن إذا سافر وحج يبقى فقيرا لا شيء له قال في التوضيح : المشهور الوجوب من غير نظر إلى ما يئول إليه أمره انتهى .

                                                                                                                            وكذلك إذا كان له أولاد ومعه ما ينفقه عليهم فإذا حج لم يبق لهم شيء بأن يتركهم في الصدقة يأكلون منها فإنه يجب عليه الحج ويتركهم للصدقة أنه يصدق عليه أنه مستطيع إلا أن يخشى الهلاك على نفسه أو على أولاده فإنه يسقط عنه حينئذ الفرض ، فقوله : إن لم يخش هلاكا ، راجع للمسألتين معا ، وأصل المسألة في سماع محمد بن خالد من كتاب الحج ونصه سأل ابن القاسم مالكا عن الرجل تكون له القرية ليس له غيرها أيبيعها في حجة الإسلام ويترك أولاده لا شيء لهم يعيشون به ؟ فقال : نعم ذلك عليه ويترك ولده في الصدقة ، قال محمد بن رشد : وهذا كما قال من أن الرجل يلزمه أن يبيع ضيعته في الحج ; لأن الله أوجب عليه أن يبيع من ماله في الحج ما يبيعه عليه السلطان في الدين وأما قوله ويترك ولده في الصدقة فمعناه إذا أمن عليهم الضيعة ولم يخش عليهم الهلاك إن تركهم ; لأن الله تعالى أوجب عليه نفقتهم في ماله كما أوجب عليهم الحج فيه فهما حقان لله تعينا عليه في ماله ، فإذا ضاق عنهما ولم يحمل إلا أحدهما وجب عليه أن يبدأ بنفقة الولد لئلا يهلكوا ; لأن خشية الهلاك عليهم تسقط عنه فرض الحج كما لو خشي الهلاك على نفسه وهذا على القول بأنه على الفور ، وأما على القول بأنه على التراخي بلا إشكال في تبدئه نفقة الولد فإن قيل : لم قيدوا تقيد الحج على نفقة الولد بأن لا يخشى عليهم الهلاك وفي التفليس يؤخذ جميع ماله ولا يترك لنفقة أولاده إلا ما يعيشون به الأيام اليسيرة وإن خشي عليهم الضيعة والهلاك ؟ ( فالجواب ) أن الفرق بينهما أن المال في الفلس مال الغرماء ، والغرماء لا يلزمونه من نفقة أولاد إلا ما يلزم جميع المسلمين من المواساة ، وفي الحج المال ماله وهو يلزمه نفقة أولاده من ماله فافترقا وهذا بين وحكم نفقة الأبوين حكم نفقة الابن انتهى .

                                                                                                                            وقال اللخمي وقد قيل فيمن له أولاد يخرج ويتركهم وإن تكففوا : يريد ما لم يخش عليهم الموت وأرى أن يقيم معهم ; لأن في خروجه عنهم إذا كانوا يضيعون حرجا والحج ساقط انتهى .

                                                                                                                            وإلى تقييد اللخمي وابن رشد قول مالك رضي الله عنه أشار المصنف بقوله : إن لم يخش هلاكا وقال ابن الحاجب : لا يعتبر بقاؤه فقيرا ، وقيل : ما لم يؤد إلى ضياعه أو ضياع من يقوت ونحوه قول المصنف في مناسكه : ولا يشترط أن يبقى له شيء بعد ما استطاع به على المشهور وقيل ما لم يؤد إلى ضياعه أو ضياع من يقوت وإذا حملنا الضياع في كلام ابن الحاجب والمصنف في مناسكه على الهلاك فيكون كلامهما مخالفا لما قيد به اللخمي وابن رشد قول مالك ; لأنهما جعلاه خلافا وعلى هذا [ ص: 503 ] حمل ابن عرفة كلام ابن الحاجب واعترض عليه فقال : وسمع يحيى يجب بيعه قرية لا يملك غيرها لحجه ، ويترك ولده للصدقة ابن رشد إن أمن ضيعتهم ، ونقل ابن الحاجب لا يعتبر ضياعا أو ضياع من يقوت لا نعرفه انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ويمكن أن يفسر الضياع في كلام ابن الحاجب والمصنف في مناسكه بالتكفف ولو لم يخش الهلاك على نفسه ولا على أولاده ، فيكون القول المحكي بقيل في كلامهما هو اختيار اللخمي الذي أشار إليه بقوله : وأرى أن يقيم معهم إلى آخره لكن يبقى القول الأول في كلامهما محتاجا إلى التقييد بما قيده به اللخمي وابن رشد وعزا ابن عرفة المسألة لسماع يحيى ولم أرها إلا في سماع محمد بن خالد وعزا المصنف في التوضيح القول المشهور لأبي القاسم وقد علمت أنه قول مالك والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) هذا على القول بأن الحج على الفور كما تقدم في كلام ابن رشد وهكذا قال صاحب الطراز قال : وأما على القول بالتراخي فيعتبر ما ينفقه في ذهابه وعوده وما ينفقه على من يخلفه ممن تلزمه نفقته إلا أن تكون له حرفة توصله وتعود به فيعتبر ما يخلفه لنفقة أهله ، وسيأتي كلامه برمته في التنبيه الذي بعده .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية