الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ويسن لمن سمع المؤذن ولو ) سمع مؤذنا ( ثانيا وثالثا حيث سن ) الأذان ثانيا وثالثا ، لسعة البلد أو نحوها قال في المبدع : لكن لو سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة لا يجيب الثاني لأنه غير مدعو بهذا الأذان ( حتى ) أنه يستحب للمؤذن أن يجيب ( نفسه نصا ) صرح باستحبابه جماعة وظاهر كلام آخرين لا يجيب نفسه ، قال ابن رجب في القاعدة السبعين : الأرجح أنه لا يجيب نفسه ( أو ) أي : ويسن لمن سمع ( المقيم ) حتى نفسه على ما تقدم ( أن ما يقول متابعة ) ل ( قوله سرا كما يقول ) .

                                                                                                                      المؤذن والمقيم ( ولو ) كان السامع ( في طواف ) فرض أو نفل ( أو ) كان السامع ( امرأة أو تاليا ونحوه ) كالذاكر ( فيقطع القراءة ) أو الذكر ( ويجيبه ) لعموم ما يأتي ، ( ولا ) يجيب السامع إن كان ( مصليا ) فرضا أو نفلا ( و ) لا إن كان ( متخليا ) أي : داخلا الخلاء ونحوه ، لقضاء حاجته ( ويقضيانه ) أي : يقضي المصلي والمتخلي ما سمعه من أذان أو إقامة إذا فرغ [ ص: 246 ] من صلاته أو خرج من قضاء حاجته على صفة ما يجيبه عقبه .

                                                                                                                      ( فإن أجابه المصلي بطلت ) الصلاة ( بالحيعلة فقط ) أي : إذا قال السامع مجيبا للمؤذن أو المقيم : حي على الصلاة ، أو حي على الفلاح ، بطلت صلاته ، دون ألفاظ باقي الأذان لأنها أقوال مشروعة في الصلاة في الجملة ، بخلاف الحيعلة ، لأنها خطاب آدمي ، ومثل الحيعلة إذا أجاب في التثويب بصدقت وبررت فتبطل به الصلاة ( إلا في الحيعلة ) استثناء من قوله كما يقول ( فيقول ) السامع للحيعلة ( لا حول ) أي : تحول من حال إلى حال ( ولا قوة ) على ذلك ( إلا بالله ) وقيل : لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيقه والمعنى الأول أجمع وأشمل قاله الشيخ تقي الدين في شرح العمدة .

                                                                                                                      ( و ) يقول المجيب ( عند التثويب ) أي : قول المؤذن في أذان الفجر : " الصلاة خير من النوم " ( صدقت وبررت ) بكسر الراء ( و ) إلا ( في الإقامة ) فيقول ( عند لفظها أقامها الله وأدامها ) لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال حي على الفلاح فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر فقال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله فقال : لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة } رواه مسلم وإنما لم يتابعه في الحيعلة لأنها خطاب فإعادته عبث بل سبيله الطاعة ، وسؤال الحول والقوة ، وتكون الإجابة عقب كل جملة للخبر والأصل في استحباب إجابة المقيم ما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن بلالا أخذ في الإقامة ، فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها } .

                                                                                                                      وقال في سائر ألفاظ الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان وإنما استحبت الإجابة للمؤذن والمقيم على ما تقدم ، ليجمع بين أجر الأذان والإقامة ، والإجابة والحيعلة هي قول : حي على الصلاة حي على الفلاح ، على أخذ الحاء والياء من حي والعين واللام من على كما يقال : الحوقلة في لا حول ولا قوة إلا بالله على أخذ الحاء من حول والقاف من قوة واللام من اسم الله تعالى ، وتقدم معناها .

                                                                                                                      وقال ابن مسعود : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونته قال الخطابي : هذا أحسن ما جاء فيه ( ولو دخل المسجد والمؤذن قد شرع في [ ص: 247 ] الأذان لم يأت بتحية المسجد ولا بغيرها ، بل يجيب ) المؤذن ( حتى يفرغ ) من أذانه فيصلي التحية بشرطه ، ليجمع بين أجر الإجابة والتحية قال في الفروع : ( ولعل المراد غير أذان الخطبة ) أي : الأذان الذي يكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة ( لأن سماعها ) أي : الخطبة أهم من الإجابة ، فيصلي التحية إذا دخل .

                                                                                                                      ( ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه ) من الأذان وإجابته ( ثم يقول ) كل من المؤذن وسامعه ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ) لما روى ابن عمر مرفوعا { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة ، لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة } رواه مسلم .

                                                                                                                      وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ; حلت له شفاعتي يوم القيامة } رواه البخاري قال في المبدع : ولم يذكر والسلام معه فظاهره أنه لا يكره بدونه وقد ذكر النووي أنه يكره .

                                                                                                                      " تتمة " " اللهم " أصله يا الله والميم بدل من ياء النداء قاله الخليل وسيبويه وقال الفراء : أصله يا الله أمنا بخير فحذف حرف النداء ولا يجوز الجمع بينهما إلا في الضرورة " والدعوة " بفتح الدال هي دعوة الأذان سميت تامة لكمالها وعظمة موقعها وسلامتها من نقص يتطرق إليها وقال الخطابي : وصفها بالتمام لأنها ذكر الله ، يدعى بها إلى طاعته التي تستحق صفة الكمال والتمام ، وما سواها من أمور الدنيا معرض للنقص والفساد ، وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن غير مخلوق قال لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص ، والصلاة القائمة التي ستقوم ، وتفعل بصفاتها .

                                                                                                                      و " الوسيلة " منزلة عند الملك وهي منزلة في الجنة و " المقام المحمود " الشفاعة العظمى في يوم القيامة لأنه يحمده فيه الأولون والآخرون والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته ، وعظم منزلته ، وقد وقع منكرا في الصحيح تأدبا مع القرآن ; فيكون قوله " الذي وعدته " منصوبا على البدلية ، أو على إضمار فعل أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية