الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                الكلام في محل البناء وكيفيته .

                                                                                                                                فنقول وبالله التوفيق ، المصلي لا يخلو إما إن كان منفردا أو مقتديا أو إماما فإن كان منفردا فانصرف وتوضأ فهو بالخيار إن شاء أتم صلاته في الموضع الذي توضأ فيه وإن شاء عاد إلى الموضع الذي افتتح الصلاة فيه ; لأنه إذا أتم الصلاة حيث هو فقد سلمت صلاته عن المشي لكنه صلى صلاة واحدة في مكانين ، وإن عاد إلى مصلاه فقد أدى جميع الصلاة في مكان واحد لكن مع زيادة مشي فاستوى الوجهان فيخير ، وقال بعض مشايخنا : يصلي في الموضع الذي توضأ من غير خيار .

                                                                                                                                ولو أتى المسجد تفسد صلاته ; لأنه تحمل زيادة مشي من غير حاجة وعامة مشايخنا قالوا : لا تفسد صلاته ; لأن المشي إلى الماء والعود إلى مكان الصلاة ألحق بالعدم شرعا في الجملة ، وإن كان مقتديا فانصرف وتوضأ فإن لم يفرغ إمامه من الصلاة فعليه أن يعود ; لأنه في حكم المقتدي بعد .

                                                                                                                                ولو لم يعد وأتم بقية صلاته في بيته لا يجزيه ; لأنه إن صلى مقتديا بإمامه لا يصح ; لانعدام شرط الاقتداء وهو اتحاد البقعة إلا إذا كان بيته قريبا من المسجد بحيث يصح الاقتداء وإن صلى منفردا في بيته فسدت صلاته ; لأن الانفراد في حال وجوب الاقتداء يفسد صلاته ; لأن بين الصلاتين تغيرا وقد ترك ما كان عليه وهو الصلاة مقتديا وما أدى وهو الصلاة منفردا لم يوجد له ابتداء تحريمة وهو بعض الصلاة ; لأنه صار منتقلا عما كان هو فيه إلى هذا فيبطل ذلك .

                                                                                                                                وما حصل فيه بعض الصلاة فلا يخرج عن كل الصلاة بأداء هذا القدر ، ثم إذا عاد ينبغي أن يشتغل أولا بقضاء ما سبق به في حال تشاغله بالوضوء ; لأنه لاحق فكأنه خلف الإمام فيقوم مقدار قيام الإمام من غير قراءة ومقدار ركوعه وسجوده ولا يضره إن زاد أو نقص .

                                                                                                                                ولو تابع إمامه أولا ثم اشتغل بقضاء ما سبق به بعد تسليم الإمام جازت صلاته عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على أن الترتيب في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط عندنا وعنده شرط ، وإن كان قد فرغ إمامه من الصلاة يخير لما ذكرنا في المنفرد توضأ وقد فرغ [ ص: 224 ] الإمام من صلاته ولم يقعد في الثانية لا يقعد هذا المقتدي في الثانية .

                                                                                                                                وروي عن زفر أنه يقعد ، ذكر المسألة في النوادر .

                                                                                                                                وجه قول زفر أن القعدة الأولى واجبة في الصلاة ولا يجوز ترك الواجب إلا لأمر فوقه كما إذا كان خلف الإمام فترك الإمام القعدة وقام بتركها المقتدي موافقة للإمام فيما هو أعلى منه وهو القيام لكونه فرضا ولم يوجد هذا المعنى في اللاحق ; لأن موافقة الإمام بعد فراغه لا تتحقق فيجب عليه الإتيان بالقعدة ، ولنا أن اللاحق خلف الإمام تقديرا حتى يسجد لسهو الإمام ولا يسجد لسهو نفسه ولا يقرأ في القضاء كأنه خلف الإمام .

                                                                                                                                ولو كان خلفه حقيقة يترك القعدة متابعة للإمام فكذا إذا كان خلفه تقديرا ، وإن كان إماما يستخلف ثم يتوضأ ويبني على صلاته والأمر في موضع البناء وكيفيته على نحو ما ذكرنا في المقتدي ; لأنه بالاستخلاف تحولت الإمامة إلى الثاني وصار هو كواحد من المقتدين به .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية