الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما سنن الركوع - فمنها أن يبسط ظهره لما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا ركع بسط ظهره حتى لو وضع على ظهره قدح من ماء لاستقر } - ، ومنها أن لا ينكس رأسه ولا يرفعه أي : يسوي رأسه بعجزه ; لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا ركع لم يرفع رأسه ولم ينكسه } .

                                                                                                                                وروي أنه { نهى أن يدبح المصلي تدبيح الحمار } وهو أن يطأطئ رأسه إذا شم البول أو أراد أن يتمرغ ; ولأن بسط الظهر سنة ، وإنه لا يحصل مع الرفع والتنكيس ، ومنها أن يضع يديه على ركبتيه وهو قول عامة الصحابة وقال ابن مسعود : السنة هي التطبيق وهو أن يجمع بين كفيه ويرسلهما بين فخذيه ، والصحيح قول العامة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأنس رضي الله عنه : { إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك } وفي رواية وفرق بين أصابعك .

                                                                                                                                وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ثنيت لكم الركب فخذوا بالركب ، والتطبيق منسوخ لما روي أن سعيد بن العاص رأى ابنه يطبق في الصلاة فنهاه عن ذلك فقال : رأيت ابن مسعود يطبق في الصلاة ، فقال : رحم ابن مسعود كنا نطبق في الابتداء ثم نهينا عنه فيحتمل أن ابن مسعود كان يفعله ; لأن النسخ لم يبلغه .

                                                                                                                                ومنها أنه يفرق بين أصابعه لما روينا ولأن السنة هي الوضع مع الأخذ لحديث عمر رضي الله عنه والتفريق أمكن من الأخذ ، ومنها أن يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاثا ، وهذا قول العامة ، وقال مالك في قول من ترك التسبيح في الركوع : تبطل صلاته وفي رواية عنه أنه قال : لا نجد في الركوع دعاء مؤقتا .

                                                                                                                                وروي عن أبي مطيع البلخي أنه قال : من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود لم تجزه صلاته ، وهذا فاسد ; لأن الأمر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عملا بالدليلين بقدر الإمكان ودليل كونه سنة ما روي عن عقبة بن عامر أنه قال { : لما نزل قوله تعالى { فسبح باسم ربك العظيم } قال النبي صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزل قوله تعالى { سبح اسم ربك الأعلى } قال : اجعلوها في سجودكم } ثم السنة فيه أن يقول ثلاثا وذلك أدناه ، وقال الشافعي : يقول مرة واحدة ; لأن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار فيصير ممتثلا بتحصيله مرة واحدة ، ولنا ما روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إذا صلى أحدكم فليقل في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاثا ، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا ، وذلك أدناه } والأمر بالفعل يحتمل التكرار فيحمل عليه عند قيام الدليل .

                                                                                                                                وروي عن محمد أنه إذا سبح مرة واحدة يكره ; لأن الحديث جعل الثلاث أدنى التمام فما دونه يكون ناقصا فيكره ولو زاد على الثلاث فهو أفضل ; لأن قوله وذلك أدناه دليل استحباب الزيادة ، وهذا إذا كان منفردا فإن كان مقتديا يسبح إلى أن يرفع الإمام رأسه .

                                                                                                                                وأما إذا كان إماما فينبغي أن يسبح ثلاثا ولا يطول على القوم لما روينا من الأحاديث ولأن التطويل سبب التنفير وذلك مكروه ، وقال بعضهم يقولها أربعا حتى يتمكن القوم من أن يقولوها ثلاثا ، وعن سفيان الثوري أنه يقولها خمسا ، وقال الشافعي : يزيد في الركوع على التسبيحة الواحدة اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ويقول في السجود سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين كذا روي عن علي رضي الله عنه وهو عندنا محمول [ ص: 209 ] على النوافل ثم الإمام إذا كان في الركوع فسمع خفق النعل ممن دخل المسجد هل ينتظره أم لا ؟ قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة وابن أبي ليلى عن ذلك فكرهاه ، وقال أبو حنيفة : أخشى عليه أمرا عظيما يعني الشرك ، وروى هشام عن محمد أنه كره ذلك ، وعن أبي مطيع أنه كان لا يرى بأسا ، وقال الشافعي : لا بأس به مقدار تسبيحة أو تسبيحتين ، وقال بعضهم : يطول التسبيحات ولا يزيد على العدد ، وقال أبو القاسم الصفار : إن كان الرجل غنيا لا يجوز له الانتظار وإن كان فقيرا يجوز ، وقال الفقيه أبو الليث : إن كان الإمام قد عرف الجائي فإنه لا ينتظره ; لأنه يشبه الميل وإن لم يعرفه فلا بأس به ; لأن في ذلك إعانة على الطاعة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية