الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وههنا نذكر المقدار الذي يخرج به عن حد الكراهة ، والمقدار المستحب من القراءة .

                                                                                                                                أما الأول فالقدر الذي يخرج به عن حد الكراهة هو أن يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة قدر ثلاث آيات ، أو ثلاث آيات من أي سورة كانت ، حتى لو قرأ الفاتحة وحدها أو قرأ معها آية أو آيتين يكره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها } وأقصر السور ثلاث آيات ولم يرد به نفي الجواز بل نفي الكمال ، وأداء المفروض على وجه النقصان مكروه .

                                                                                                                                وأما القدر المستحب من القراءة فقد اختلفت الروايات فيه عن أبي حنيفة ذكر في الأصل ويقرأ الإمام في الفجر في الركعتين جميعا بأربعين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها ، وذكر في الجامع الصغير بأربعين خمسين ستين سوى فاتحة الكتاب ، وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة ما بين ستين إلى مائة وإنما اختلفت الروايات لاختلاف الأخبار .

                                                                                                                                روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الفجر سورة ( ق ) حتى أخذ بعض النسوان منه في صلاة الفجر منهن أم هشام بنت الحارث بن النعمان وعن مورق العجلي قال : تلقنت سورة ( ق ) واقترب ، من في رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة قراءته لهما في صلاة الفجر ، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { قرأ في صلاة الفجر والمرسلات وعم يتساءلون } ، وفي رواية { إذا الشمس كورت } و { إذا السماء انفطرت } .

                                                                                                                                وروى ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في الركعة الأولى من الفجر ب { الم تنزيل } السجدة ، وفي الأخرى بهل أتى على الإنسان } ، وعن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في صلاة الفجر ما بين ستين آية إلى مائة } كذا ذكر وكيع .

                                                                                                                                وروي أن أبا بكر قرأ في الفجر سورة البقرة فلما فرغ قال له عمر : كادت الشمس تطلع يا خليفة رسول الله فقال رضي الله عنه : لو طلعت لم تجدنا غافلين .

                                                                                                                                وروي أن عمر رضي الله عنه قرأ سورة يوسف فلما انتهى إلى قوله { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } خنقته العبرة فركع ، ووفق بعض هم بين الروايات فقال : المساجد ثلاث مسجد له قوم زهاد وعباد يرغبون في العبادة ، ومسجد له قوم كسالى غير راغبين في العبادة ، ومسجد له قوم أوساط فينبغي للإمام أن يعمل بأكثر الروايات قراءة في الأول وبأدناها قراءة في الثاني وبأوسطها قراءة في الثالث عملا بالروايات كلها بقدر الإمكان ، ويجوز أن يكون اختلاف الروايات محمولا على هذا ، ويقرأ في الظهر بنحو من ذلك أو دونه .

                                                                                                                                وذكره في الأصل لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال : حررنا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر في الركعتين بثلاثين آية ، وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال { : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقرأ { والسماء والطارق } { والشمس وضحاها } ، وفي العصر يقرأ بعشرين آية مع فاتحة الكتاب أي سواها } ذكره في الأصل ; لما روي عن أبي هريرة وجابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { يقرأ في العصر بسورة { سبح اسم ربك الأعلى } و { هل أتاك حديث الغاشية } . وفي العشاء مثل ذلك } في رواية الأصل ; لقول { النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين كان يقرأ البقرة في صلاة العشاء أين أنت من الشمس وضحاها { والليل إذا يغشى } } ; ولأنها تؤخر إلى ثلث الليل فلو طول القراءة لتشوش أمر الصلاة على القوم لغلبة النوم إياهم ، وفي المغرب بسورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات مع فاتحة الكتاب أي سواها ذكره في الأصل ; لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصار المفصل .

                                                                                                                                ولأنا أمرنا بتعجيل المغرب وفي تطويل القراءة تأخيرها ، وذكر في الجامع الصغير ويقرأ في الظهر في الأوليين مثل ركعتي الفجر والعصر والعشاء سواء والمغرب دون ذلك ، وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة أنه يقرأ في الظهر بعبس أو إذا الشمس كورت في الأولى ، وفي الثانية بلا أقسم أو والشمس وضحاها ، وفي العصر يقرأ في الأولى والضحى أو والعاديات ، وفي الثانية بألهاكم أو { ويل لكل همزة } .

                                                                                                                                وفي المغرب في الأولى مثل ما في العصر ، وفي العشاء في الأوليين مثل ما في الظهر فقد جعلها في الأصل كالعصر وفي المجرد كالظهر ، وذكر الكرخي [ ص: 206 ] وقال : وقدر القراءة في الفجر للمقيم قدر ثلاثين آية إلى ستين آية سوى الفاتحة في الركعة الأولى ، وفي الثانية ما بين عشرين إلى ثلاثين ، وفي الظهر في الركعتين جميعا سوى فاتحة الكتاب مثل القراءة في الركعة الأولى من الفجر ، وفي العصر والعشاء يقرأ في كل ركعة قدر عشرين آية سوى فاتحة الكتاب ، وفي المغرب في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة من قصار المفصل .

                                                                                                                                قال : وهذه الرواية أحب الروايات التي رواها المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ، ويحتمل أن يكون اختلاف مقادير القراءة في الصلوات لاختلاف أحوال الناس فوقت الفجر وقت نوم وغفلة فتطول فيه القراءة كي لا تفوتهم الجماعة ، وكذا وقت الظهر في الصيف ; لأنهم يقيلون ، ووقت العصر وقت رجوع الناس إلى منازلهم فينقص عما في الظهر والفجر ، وكذا وقت العشاء وقت عزمهم على النوم فكان مثل وقت العصر ، ووقت المغرب وقت عزمهم على الأكل فقصر فيها القراءة لقلة صبرهم عن الأكل خصوصا للصائمين وهذا كله ليس بتقدير لازم بل يختلف باختلاف الوقت والزمان وحال الإمام والقوم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية