الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) الذكاة في تطهير الذبيح ، وجملة الكلام فيها أن الحيوان إن كان مأكول اللحم فذبح طهر بجميع أجزائه إلا الدم المسفوح ، وإن لم يكن مأكول اللحم فما هو طاهر من الميتة ، من الأجزاء التي لا دم فيها ، كالشعر وأمثاله ، يطهر منه بالذكاة عندنا .

                                                                                                                                وأما الأجزاء التي فيها الدم كاللحم والشحم والجلد فهل تطهر بالذكاة ، اتفق أصحابنا على أن جلده يطهر بالذكاة وقال الشافعي : لا يطهر وجه قوله أن الذكاة لم تفد حلا فلا تفيد طهرا وهذا ; لأن أثر الذكاة يظهر فيما وضع له أصلا ، - وهو حل تناول اللحم - وفي غيره تبعا فإذا لم يظهر أثرها في الأصل كيف يظهر في التبع ; فصار كما لو ذبحه مجوسي .

                                                                                                                                ( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { دباغ الأديم ذكاته } ألحق الذكاة بالدباغ ، ثم الجلد يطهر بالدباغ كذا بالذكاة ; لأن الذكاة تشارك الدباغ في إزالة الدماء السائلة ، والرطوبات النجسة ، فتشاركه في إفادة الطهارة ، وما ذكر من معنى التبعية فغير سديد ; لأن طهارة الجلد حكم مقصود في الجلد ، كما أن تناول اللحم حكم مقصود في اللحم ، وفعل المجوسي ليس بذكاة ; لعدم أهلية الذكاة ، فلا يفيد الطهارة فتعين تطهيره بالدباغ ، واختلفوا في طهارة اللحم والشحم ، ذكر الكرخي فقال : كل حيوان يطهر بالدباغ ; يطهر جلده بالذكاة ، فهذا يدل على أنه يطهر لحمه وشحمه وسائر أجزائه ; لأن الحيوان اسم لجملة الأجزاء .

                                                                                                                                وقال بعض مشايخنا ومشايخ بلخ : إن كل حيوان يطهر جلده بالدباغ يطهر جلده بالذكاة ، فأما اللحم والشحم ونحوهما فلا يطهر ، والأول أقرب إلى الصواب ; لما مر أن النجاسة لمكان الدم المسفوح ، وقد زال بالذكاة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية