أجزأهم وطهرت البئر ; لأن الماء النجس قدر ما جاور الفأرة ، فلا فرق بين أن ينزح ذلك بدلو واحد ، وبين أن ينزح بعشرين دلوا وكان فأرة ماتت في البئر وأخرجت ، فجاءوا بدلو عظيم يسع عشرين دلوا بدلوهم ، فاستقوا منها دلوا واحدا يقول : لا يطهر إلا بنزح عشرين دلوا ; لأن عند تكرار النزح ينبع الماء من أسفله ، ويؤخذ من أعلاه فيكون في حكم الماء الجاري ، وهذا لا يحصل بدلو واحد وإن كان عظيما ، ولو صب الماء المستعمل في البئر ينزح كله عند الحسن بن زياد ; لأنه نجس عنده ، وعند أبي يوسف ينزح عشرون دلوا ، كذا ذكره محمد في شرح مختصر القدوري وفيه نظر ; لأن الماء المستعمل طاهر عند الكرخي ، والطاهر إذا اختلط بالطهور لا يغيره عن صفة الطهورية ، إلا إذا غلب عليه كسائر المائعات الطاهرة ، ويحتمل أن يقال : إن طهارته غير مقطوع بها ; لكونه محل الاجتهاد بخلاف المائعات ، فينزح أدنى ما ورد الشرع به وذلك عشرون احتياطا ، ولو نزح ماء البئر وبقي الدلو الأخير فهذا على ثلاثة أوجه : إما أن لم ينفصل عن وجه الماء ، أو انفصل ونحي عن رأس البئر ، أو انفصل ولم ينح عن رأس البئر . محمد
فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر ، حتى لا يجوز التوضؤ منه ; لأن النجس لم يتميز من الطاهر ، وإن انفصل عن وجه الماء ونحي عن رأس البئر طهر ; لأن النجس قد تميز من الطاهر ، وأما إذا انفصل عن وجه الماء ولم ينح عن رأس البئر والماء يتقاطر فيه لا يطهر عند وعند أبي يوسف يطهر ، ولم يذكر في ظاهر الرواية قول محمد ، وذكر أبي حنيفة الحاكم قوله : مع قول وجه قول أبي يوسف أن النجس انفصل من الطاهر ، فإن الدلو الأخير تعين للنجاسة شرعا ، بدليل أنه إذا نحي عن رأس البئر يبقى الماء طاهرا ، والماء يتقاطر فيها من الدلو سقط اعتبار نجاسته شرعا دفعا للحرج ، إذ لو أعطى للقطرات حكم النجاسة لم يطهر بئر أبدا ، وبالناس حاجة إلى الحكم بطهارة الآبار بعد وقوع النجاسات فيها وجه قولهما أنه لا يمكن الحكم بطهارة البئر إلا بعد انفصال النجس عنها ، وهو ماء الدلو الأخير ، ولا يتحقق الانفصال إلا بعد تنحية الدلو عن البئر ; لأن ماءه متصل بماء البئر ولم [ ص: 78 ] يوجد فلا يحكم بطهارة البئر ; ولأنه لو جعل منفصلا لا يمكن القول بطهارة البئر ; لأن القطرات تقطر في البئر ، فإذا كان منفصلا كان له حكم النجاسة فتنجس البئر ثانيا ; لأن ماء البئر قليل ، والنجاسة - وإن قلت - متى لاقت ماء قليلا تنجسه ، فكان هذا تطهيرا للبئر أولا ، ثم تنجيسا له ثانيا ، وإنه اشتغال بما لا يفيد ، وسقوط اعتبار نجاسة القطرات لا يجوز إلا لضرورة ، والضرورة تندفع بأن يعطى لهذا الدلو حكم الانفصال بعد انعدام التقاطر بالتنحية عن رأس البئر ، فلا ضرورة إلى تنجيس البئر بعد الحكم بطهارتها . محمد
، فإن علم وقت وقوعها أعاد الصلاة من ذلك الوقت ; لأنه تبين أنه توضأ بماء نجس ، وإن لم يعلم فالقياس أن لا يعيد شيئا من الصلوات ما لم يستيقن بوقت وقوعها ، وهو قول لو توضأ من بئر ، وصلى أياما ، ثم وجد فيها فأرة أبي يوسف ، وفي الاستحسان إن كانت منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام ولياليها ، وإن كانت غير منتفخة ولا متفسخة لم يذكر في ظاهر الرواية ، وروى ومحمد الحسن عن أنه يعيد صلاة يوم وليلة ، ولو أبي حنيفة لا يعيد شيئا من الصلاة ، كذا ذكر اطلع على نجاسة في ثوبه أكثر من قدر الدرهم ولم يتيقن وقت إصابتها الحاكم الشهيد ، وهو رواية عن بشر المريسي . أبي حنيفة
وروي عن أنها إن كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة ، وإن كانت يابسة يعيد صلاة ثلاثة أيام بلياليها . أبي حنيفة
وروى ابن رستم في نوادره عن أنه إن كان دما لا يعيد ، وإن كان منيا يعيد من آخر ما احتلم ; لأن دم غيره قد يصيبه ، والظاهر أن الإصابة لم تتقدم زمان وجوده ، فأما مني غيره فلا يصيب ثوبه ، فالظاهر أنه منيه فيعتبر وجوده من وقت وجود سبب خروجه ، حتى أن الثوب لو كان مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم الدم والمني ، ومشايخنا قالوا في البول : يعتبر من آخر ما بال ، وفي الدم من آخر ما رعف وفي المني من آخر ما احتلم أو جامع ، وجه القياس في المسألة أنه تيقن طهارة الماء فيما مضى ، وشك في نجاسته ; لأنه يحتمل أنها وقعت في الماء وهي حية فماتت فيه ، ويحتمل أنها وقعت ميتة بأن ماتت في مكان آخر ، ثم ألقاها بعض الطيور في البئر ، على ما حكي عن أبي حنيفة أنه قال : كان قولي مثل قول أبي يوسف ، إلى أن كنت يوما جالسا في بستاني فرأيت حدأة في منقارها جيفة فطرحتها في بئر ، فرجعت عن قول أبي حنيفة الشك في نجاسة الماء فيما مضى ، فلا يحكم بنجاسته بالشك ، وصار كما إذا رأى في ثوبه نجاسة ولا يعلم وقت إصابتها أنه لا يعيد شيئا من الصلوات ، كذا هذا وجه الاستحسان أن وقوع الفأرة في البئر سبب لموتها ، والموت متى ظهر عقيب سبب صالح يحال به عليه ، كموت المجروح فإنه يحال به إلى الجرح ، وإن كان يتوهم موته بسبب آخر . أبي حنيفة