الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) بيان حال الاستعمال وتفسير الماء المستعمل فقال بعض مشايخنا : الماء المستعمل : ما زايل البدن واستقر في مكان وذكر في الفتاوى : أن الماء إذا زال عن البدن لا ينجس ما لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وهذا مذهب سفيان الثوري فأما عندنا فما دام على العضو الذي استعمله فيه لا يكون مستعملا ، وإذا زايله صار مستعملا وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، فإنه ذكر في الأصل إذا مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزه ، وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وذكر في باب المسح على الخفين أن من مسح على خفيه وبقي في كفه بلل فمسح به رأسه لا يجزيه ، وعلل بأن هذا ماء قد مسح به مرة أشار إلى صيرورته مستعملا وإن لم يستقر على الأرض أو في الإناء ، وقالوا فيمن توضأ وبقي على رجله لمعة فغسلها ببلل أخذه من عضو آخر : لا يجوز ، وإن لم يوجد الاستقرار على المكان ، فدل على أن المذهب ما قلنا .

                                                                                                                                ( أما ) سفيان فقد استدل بمسائل زعم أنها تدل على صحة ما ذهب إليه ( منها ) : إذا توضأ أو اغتسل وبقي على يده لمعة فأخذ البلل منها في الوضوء أو من أي عضو كان في الغسل وغسل اللمعة يجوز .

                                                                                                                                ( ومنها ) : إذا توضأ وبقي في كفه بلل فمسح به رأسه يجوز ، وإن زايل العضو الذي استعمله فيه لعدم الاستقرار في مكان .

                                                                                                                                ( ومنها ) : إذا مسح أعضاءه بالمنديل وابتل ، حتى صار كثيرا فاحشا أو تقاطر الماء على ثوب مقدار الكثير الفاحش جازت الصلاة معه ولو أعطي له حكم الاستعمال عند المزايلة لما جازت .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن القياس أن يصير الماء مستعملا بنفس الملاقاة ; لما ذكرنا فيما تقدم أنه وجد سبب صيرورته مستعملا وهو إزالة الحدث أو استعماله على وجه القربة .

                                                                                                                                وقد حصل ذلك بمجرد الملاقاة فكان ينبغي أن يؤخذ لكل جزء من العضو جزء من الماء ، إلا أن في ذلك حرجا ، فالشرع أسقط [ ص: 69 ] اعتبار حالة الاستعمال في عضو واحد حقيقة أو في عضو واحد حكما ، كما في الجنابة ضرورة دفع الحرج ، فإذا زايل العضو زالت الضرورة فيظهر حكم الاستعمال بقضية القياس .

                                                                                                                                وقد خرج الجواب عن المسألة الأولى ( وأما ) المسألة الثانية : فقد ذكر الحاكم الجليل أنها على التفصيل : إن لم يكن استعمله في شيء من أعضائه يجوز ، أما إذا كان استعمله لا يجوز ، والصحيح أنه يجوز وإن استعمله في المغسولات ; لأن فرض الغسل إنما تأدى بماء جرى على عضوه لا بالبلة الباقية ، فلم تكن هذه البلة مستعملة ، بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ، ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز ; لأن فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم محمول على هذا ، وما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب فهو مستعمل ، إلا أنه لا يمنع جواز الصلاة ; لأن الماء المستعمل طاهر عند محمد وهو المختار ، وعندهما وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار نجاسته ههنا لمكان الضرورة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية