الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) السؤر المكروه فهو سؤر سباع الطير ، كالبازي والصقر والحدأة ونحوها [ ص: 65 ] استحسانا ، والقياس أن يكون نجسا اعتبارا بلحمها كسؤر سباع الوحش ، وجه الاستحسان أنها تشرب بمنقارها - وهو عظم جاف فلم يختلط لعابها بسؤرها بخلاف سؤر سباع الوحش ; ولأن صيانة الأواني عنها متعذرة ; لأنها تنقض من الهواء فتشرب بخلاف سباع الوحش ، إلا أنه يكره ; لأن الغالب أنها تتناول الجيف والميتات فكان منقارها في معنى منقار الدجاجة المخلاة ، ( وكذا ) سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحية والوزغة والعقرب ونحوها ، ( وكذا ) سؤر الهرة في رواية الجامع الصغير وذكر في كتاب الصلاة : أحب إلي أن يتوضأ بغيره ولم يذكر الكراهة ، وعن أبي يوسف والشافعي لا يكره ، ( واحتجا ) بما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي لها الإناء فتشرب منه ، ثم يشرب ويتوضأ به } ولأبي حنيفة ما روى أبو هريرة رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الهرة سبع } وهذا بيان حكمها .

                                                                                                                                وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ، ومن ولوغ الهرة مرة } والمعنى في كراهته من وجهين : أحدهما : ما ذكره الطحاوي وهو أن الهرة نجسة لنجاسة لحمها ، لكن سقطت نجاسة سؤرها ; لضرورة الطواف فبقيت الكراهة لإمكان التحرز في الجملة ، والثاني : ما ذكره الكرخي وهو أنها ليست بنجسة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عنها النجاسة بقوله : { الهرة ليست بنجسة } ولكن الكراهة لتوهم أخذها الفأرة فصار فمها كيد المستيقظ من نومه ، وما روي من الحديث يحتمل أنه كان قبل تحريم السباع ، ثم نسخ على مذهب الطحاوي ، ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق الوحي أن تلك الهرة لم يكن على فمها نجاسة - على مذهب الكرخي - أو يحمل فعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز ، وعلى هذا تناول بقية طعام أكلته وتركها لتلحس القدر إن ذلك محمول على تعليم الجواز ولو أكلت الفأرة ، ثم شربت الماء قال أبو حنيفة : إن شربته على الفور تنجس الماء وإن مكثت ، ثم شربت لا يتنجس وقال أبو يوسف ومحمد : يتنجس بناء على ما ذكرنا من الأصلين في سؤر شارب الخمر والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية