[ ص: 235 ] فصل
قد ذكرنا أن العبد في الذنب له نظر إلى أربعة أمور : نظر إلى الأمر والنهي ، ونظر إلى الحكم والقضاء ، وذكرنا ما يتعلق بهذين النظرين .
النظر الثالث : النظر إلى محل الجناية ومصدرها ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=19688_19691النفس الأمارة بالسوء ، ويفيده نظره إليها أمورا .
منها : أن يعرف أنها جاهلة ظالمة ، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وعمل قبيح ، ومن وصفه الجهل والظلم لا مطمع في استقامته واعتداله البتة ، فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يخرجها به عن وصف الجهل ، والعمل الصالح الذي يخرجها به عن وصف الظلم ، ومع هذا فجهلها أكثر من علمها ، وظلمها أعظم من عدلها .
فحقيق بمن هذا شأنه أن يرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها ، وأن يؤتيها تقواها ويزكيها ، فهو خير من زكاها ، فإنه ربها ومولاها ، وأن لا يكله إليها طرفة عين ، فإنه إن وكله إليها هلك ، فما هلك من هلك إلا حيث وكل إلى نفسه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لحصين بن المنذر nindex.php?page=hadith&LINKID=980119قل : اللهم ألهمني رشدي ، وقني شر نفسي وفي خطبة الحاجة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980185الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا وقد قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إن النفس لأمارة بالسوء .
فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر ، ومأوى كل سوء ، وأن كل خير فيها ففضل من الله من به عليها ، لم يكن منها ، كما قال تعالى
[ ص: 236 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا وقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها ، ولكن هو الله الذي من بهما ، فجعل العبد بسببهما من الراشدين
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم عليم بمن يصلح لهذا الفضل ويزكو عليه وبه ، ويثمر عنده ، حكيم فلا يضعه عند غير أهله فيضيعه بوضعه في غير موضعه .
ومنها : ما ذكره صاحب المنازل فقال : اللطيفة الثانية : أن يعلم أن نظر البصير الصادق في سيئته لم يبق له حسنة بحال ، لأنه يسير بين مشاهدة المنة ، وتطلب عيب النفس والعمل .
يريد : أن من له بصيرة بنفسه ، وبصيرة بحقوق الله ، وهو صادق في طلبه لم يبق له نظره في سيئاته حسنة البتة ، فلا يلقى الله إلا بالإفلاس المحض ، والفقر الصرف ، لأنه إذا فتش عن عيوب نفسه وعيوب عمله علم أنها لا تصلح لله ، وأن تلك البضاعة لا تشترى بها النجاة من عذاب الله ، فضلا عن الفوز بعظيم ثواب الله ، فإن خلص له عمل وحال مع الله ، وصفا له معه وقت شاهد منة الله عليه به ، ومجرد فضله ، وأنه ليس من نفسه ، ولا هي أهل لذلك ، فهو دائما مشاهد لمنة الله عليه ، ولعيوب نفسه وعمله ، لأنه متى تطلبها رآها .
وهذا من أجل أنواع المعارف وأنفعها للعبد ، ولذلك كان سيد الاستغفار :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980186اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
فتضمن هذا الاستغفار الاعتراف من العبد بربوبية الله ، وإلهيته وتوحيده ، والاعتراف بأنه خالقه ، العالم به ، إذ أنشأه نشأة تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصيره
[ ص: 237 ] فيه ، والاعتراف بأنه عبده الذي ناصيته بيده وفي قبضته ، لا مهرب له منه ، ولا ولي به سواه ، ثم التزام الدخول تحت عهده - وهو أمره ونهيه - الذي عهده إليه على لسان رسوله ، وأن ذلك بحسب استطاعتي ، لا بحسب أداء حقك ، فإنه غير مقدور للبشر ، وإنما هو جهد المقل ، وقدر الطاقة ، ومع ذلك فأنا مصدق بوعدك الذي وعدته لأهل طاعتك بالثواب ، ولأهل معصيتك بالعقاب ، فأنا مقيم على عهدك ، مصدق بوعدك ، ثم أفزع إلى الاستعاذة والاعتصام بك من شر ما فرطت فيه من أمرك ونهيك ، فإنك إن لم تعذني من شره ، وإلا أحاطت بي الهلكة ، فإن إضاعة حقك سبب الهلاك ، وأنا أقر لك وألتزم بنعمتك علي ، وأقر وألتزم وأبخع بذنبي ، فمنك النعمة والإحسان والفضل ، ومني الذنب والإساءة ، فأسألك أن تغفر لي بمحو ذنبي ، وأن تعفيني من شره ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
فلهذا كان هذا الدعاء سيد الاستغفار ، وهو متضمن لمحض العبودية ، فأي حسنة تبقى للبصير الصادق ، مع مشاهدته عيوب نفسه وعمله ، ومنة الله عليه ؟ فهذا الذي يعطيه نظره إلى نفسه ونقصه .
[ ص: 235 ] فَصْلٌ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي الذَّنْبِ لَهُ نَظَرٌ إِلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ : نَظَرٌ إِلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَنَظَرٌ إِلَى الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ ، وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَيْنِ النَّظَرَيْنِ .
النَّظَرُ الثَّالِثُ : النَّظَرُ إِلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمَصْدَرِهَا ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19688_19691النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ ، وَيُفِيدُهُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا أُمُورًا .
مِنْهَا : أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهَا جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ ، وَأَنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ يَصْدُرُ عَنْهُمَا كُلُّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ قَبِيحٍ ، وَمِنْ وَصْفِهِ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِقَامَتِهِ وَاعْتِدَالِهِ الْبَتَّةَ ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ بَذْلَ الْجُهْدِ فِي الْعِلْمِ النَّافِعِ الَّذِي يُخْرِجُهَا بِهِ عَنْ وَصْفِ الْجَهْلِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُخْرِجُهَا بِهِ عَنْ وَصْفِ الظُّلْمِ ، وَمَعَ هَذَا فَجَهْلُهَا أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِهَا ، وَظُلْمُهَا أَعْظَمُ مِنْ عَدْلِهَا .
فَحَقِيقٌ بِمَنْ هَذَا شَأْنُهُ أَنْ يَرْغَبَ إِلَى خَالِقِهَا وَفَاطِرِهَا أَنْ يَقِيَهَا شَرَّهَا ، وَأَنْ يُؤْتِيَهَا تَقْوَاهَا وَيُزَكِّيَهَا ، فَهُوَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، فَإِنَّهُ رَبُّهَا وَمَوْلَاهَا ، وَأَنْ لَا يَكِلَهُ إِلَيْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَإِنَّهُ إِنْ وَكَلَهُ إِلَيْهَا هَلَكَ ، فَمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ إِلَّا حَيْثُ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِحُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=hadith&LINKID=980119قُلِ : اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي ، وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي وَفِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980185الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَهْدِيهِ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ .
فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ وَمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ ، وَمَأْوَى كُلِّ سُوءٍ ، وَأَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فِيهَا فَفَضْلٌ مِنَ اللَّهِ مَنَّ بِهِ عَلَيْهَا ، لَمْ يَكُنْ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
[ ص: 236 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَهَذَا الْحُبُّ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لَمْ يَكُونَا فِي النَّفْسِ وَلَا بِهَا ، وَلَكِنْ هُوَ اللَّهُ الَّذِي مَنَّ بِهِمَا ، فَجَعَلَ الْعَبْدَ بِسَبَبِهِمَا مِنَ الرَّاشِدِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْفَضْلِ وَيَزْكُو عَلَيْهِ وَبِهِ ، وَيُثْمِرُ عِنْدَهُ ، حَكِيمٌ فَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ فَيُضَيِّعُهُ بِوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
وَمِنْهَا : مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ فَقَالَ : اللَّطِيفَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ نَظَرَ الْبَصِيرِ الصَّادِقِ فِي سَيِّئَتِهِ لَمْ يُبْقِ لَهُ حَسَنَةً بِحَالٍ ، لِأَنَّهُ يَسِيرُ بَيْنَ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ ، وَتَطَلُّبِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ .
يُرِيدُ : أَنَّ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِنَفْسِهِ ، وَبَصِيرَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي طَلَبِهِ لَمْ يُبْقِ لَهُ نَظَرُهُ فِي سَيِّئَاتِهِ حَسَنَةً الْبَتَّةَ ، فَلَا يَلْقَى اللَّهَ إِلَّا بِالْإِفْلَاسِ الْمَحْضِ ، وَالْفَقْرِ الصِّرْفِ ، لِأَنَّهُ إِذَا فَتَّشَ عَنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ وَعُيُوبِ عَمَلِهِ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلَّهِ ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبِضَاعَةَ لَا تُشْتَرَى بِهَا النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، فَضْلًا عَنِ الْفَوْزِ بِعَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ خَلُصَ لَهُ عَمَلٌ وَحَالٌ مَعَ اللَّهِ ، وَصَفَا لَهُ مَعَهُ وَقْتٌ شَاهَدَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهِ ، وَمُجَرَّدَ فَضْلِهِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَا هِيَ أَهْلٌ لِذَلِكَ ، فَهُوَ دَائِمًا مُشَاهِدٌ لِمِنَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَلِعُيُوبِ نَفْسِهِ وَعَمَلِهِ ، لِأَنَّهُ مَتَى تَطَلَّبَهَا رَآهَا .
وَهَذَا مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ وَأَنْفَعِهَا لِلْعَبْدِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980186اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .
فَتَضَمَّنَ هَذَا الِاسْتِغْفَارُ الِاعْتِرَافَ مِنَ الْعَبْدِ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ ، وَإِلَهِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، وَالِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُ خَالِقُهُ ، الْعَالِمُ بِهِ ، إِذْ أَنْشَأَهُ نَشْأَةً تَسْتَلْزِمُ عَجْزَهُ عَنْ أَدَاءِ حَقِّهِ وَتَقْصِيرَهُ
[ ص: 237 ] فِيهِ ، وَالِاعْتِرَافَ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ الَّذِي نَاصِيَتُهُ بِيَدِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ ، لَا مَهْرَبَ لَهُ مِنْهُ ، وَلَا وَلِيَّ بِهِ سِوَاهُ ، ثُمَّ الْتِزَامَ الدُّخُولِ تَحْتَ عَهْدِهِ - وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ - الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِي ، لَا بِحَسَبِ أَدَاءِ حَقِّكَ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْبَشَرِ ، وَإِنَّمَا هُوَ جُهْدُ الْمُقِلٍّ ، وَقَدْرُ الطَّاقَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَنَا مُصَدِّقٌ بِوَعْدِكَ الَّذِي وَعَدْتَهُ لِأَهْلِ طَاعَتِكَ بِالثَّوَابِ ، وَلِأَهْلِ مَعْصِيَتِكَ بِالْعِقَابِ ، فَأَنَا مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِكَ ، مُصَدِّقٌ بِوَعْدِكَ ، ثُمَّ أَفْزَعُ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ وَالِاعْتِصَامِ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فَرَّطْتُ فِيهِ مِنْ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعِذْنِي مِنْ شَرِّهِ ، وَإِلَّا أَحَاطَتْ بِي الْهَلَكَةُ ، فَإِنَّ إِضَاعَةَ حَقِّكَ سَبَبُ الْهَلَاكِ ، وَأَنَا أُقِرُّ لَكَ وَأَلْتَزِمُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأُقِرُّ وَأَلْتَزِمُ وَأَبْخَعُ بِذَنْبِي ، فَمِنْكَ النِّعْمَةُ وَالْإِحْسَانُ وَالْفَضْلُ ، وَمِنِّي الذَّنْبُ وَالْإِسَاءَةُ ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي بِمَحْوِ ذَنْبِي ، وَأَنْ تُعْفِيَنِي مِنْ شَرِّهِ ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .
فَلِهَذَا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ ، فَأَيُّ حَسَنَةٍ تَبْقَى لِلْبَصِيرِ الصَّادِقِ ، مَعَ مُشَاهَدَتِهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ وَعَمَلِهِ ، وَمِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ ؟ فَهَذَا الَّذِي يُعْطِيهِ نَظَرُهُ إِلَى نَفْسِهِ وَنَقْصِهِ .