قوله الثاني : أن يقيم على عبده حجة عدله ، فيعاقبه على ذنبه بحجته .
nindex.php?page=treesubj&link=29642_28749اعتراف العبد بقيام حجة الله عليه من لوازم الإيمان ، أطاع أم عصى ، فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول ، وإنزال الكتاب ، وبلوغ ذلك إليه ، وتمكنه من العلم به ، سواء علم أم جهل ، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ، فقصر عنه ولم يعرفه ، فقد قامت عليه الحجة ، والله سبحانه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، فإذا عاقبه على ذنبه عاقبه بحجته على ظلمه ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء [ ص: 233 ] وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون .
وفي الآية قولان ، أحدهما : ما كان ليهلكها بظلم منهم ، الثاني : ما كان ليهلكها بظلم منه .
والمعنى على القول الأول ما كان ليهلكها بظلمهم المتقدم ، وهم مصلحون الآن ، أي إنهم بعد أن أصلحوا وتابوا ، لم يكن ليهلكهم بما سلف منهم من الظلم .
وعلى القول الثاني إنه لم يكن ظالما لهم في إهلاكهم ، فإنه لم يهلكهم وهم مصلحون ! وإنما أهلكهم وهم ظالمون ، فهم الظالمون لمخالفتهم ، وهو العادل في إهلاكهم ، والقولان في آية الأنعام أيضا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=131ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون .
قيل : لم يكن مهلكهم بظلمهم ، وشركهم وهم غافلون ، لم ينذروا ولم يأتهم رسول .
وقيل : لم يهلكهم قبل التذكير بإرسال الرسول ، فيكون قد ظلمهم ، فإنه سبحانه لا يأخذ أحدا ولا يعاقبه إلا بذنبه ، وإنما يكون مذنبا إذا خالف أمره ونهيه ، وذلك إنما يعلم بالرسل .
فإذا شاهد العبد القدر السابق بالذنب ، علم أن الله سبحانه قدره سببا مقتضيا لأثره من العقوبة ، كما قدر الطاعة سببا مقتضيا للثواب ، وكذلك تقدير سائر أسباب الخير والشر ، كجعل السم سببا للموت ، والنار سببا للإحراق ، والماء سببا للإغراق .
فإذا أقدم العبد على سبب الهلاك - وقد عرف أنه سبب الهلاك - فهلك فالحجة مركبة عليه ، والمؤاخذة لازمة له ، كالحريق مثلا ، والذنب كالنار ، وإتيانه له كتقديمه نفسه للنار ، وملاحظة الحكم فيما لا يجدي عليه شيئا ، فإنما الذي يشهده عند قيام الحجة عليه ملاحظة الأمر ، لا ملاحظة القدر .
فجعل صاحب المنازل هذه اللطيفة من ملاحظة الجناية والقضية ليس بالبين ، بل هو من ملاحظة الجناية والأمر ، لكن مراده أن سر التقدير أنه قد علم أن هذا العبد لا
[ ص: 234 ] يصلح إلا للوقود ، كالشوك الذي لا يصلح إلا للنار ، والشجرة تشتمل على الثمر والشوك ، فاقتضى عدله سبحانه أن يسوق هذا العبد إلى ما لا يصلح إلا له ، وأن يقيم عليه حجة عدله ، فإن قدر عليه الذنب فواقعه ، فاستحق ما خلق له ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين .
فأخبر سبحانه أن الناس قسمان : حي قابل للانتفاع ، يقبل الإنذار وينتفع به ، وميت لا يقبل الإنذار ولا ينتفع به ، لأن أرضه غير زاكية ولا قابلة لخير البتة ، فيحق عليه القول بالعذاب ، وتكون عقوبته بعد قيام الحجة عليه ، لا بمجرد كونه غير قابل للهدى والإيمان ، بل لأنه غير قابل ولا فاعل ، وإنما يتبين كونه غير قابل بعد قيام الحجة عليه بالرسول ، إذ لو عذبه بكونه غير قابل لقال : لو جاءني رسول منك لامتثلت أمرك ، فأرسل إليه رسوله ، فأمره ونهاه ، فعصى الرسول بكونه غير قابل للهدى ، فعوقب بكونه غير فاعل ، فحق عليه القول أنه لا يؤمن ولو جاءه الرسول ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ، وحق عليه العذاب ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار .
فالكلمة التي حقت كلمتان : كلمة الإضلال ، وكلمة العذاب ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين وكلمته سبحانه ، إنما حقت عليهم بالعذاب بسبب كفرهم ، فحقت عليهم كلمة حجته ، وكلمة عدله بعقوبته .
وحاصل هذا كله أن الله سبحانه ، أمر العباد أن يكونوا مع مراده الديني منهم ، لا مع مراد أنفسهم ، فأهل طاعته آثروا الله ومراده على مرادهم ، فاستحقوا كرامته ، وأهل معصيته آثروا مرادهم على مراده ، وعلم سبحانه منهم أنهم لا يؤثرون مراده البتة ، وإنما يؤثرون أهواءهم ومرادهم ، فأمرهم ونهاهم ، فظهر بأمره ونهيه من القدر الذي قدر عليهم من إيثارهم هوى أنفسهم ومرادهم على مرضاة ربهم ومراده ، فقامت عليهم بالمعصية حجة عدله ، فعاقبهم بظلمهم .
قَوْلُهُ الثَّانِي : أَنْ يُقِيمَ عَلَى عَبْدِهِ حُجَّةَ عَدْلِهِ ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَنْبِهِ بِحُجَّتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29642_28749اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِقِيَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ ، أَطَاعَ أَمْ عَصَى ، فَإِنَّ حُجَّةَ اللَّهِ قَامَتْ عَلَى الْعَبْدِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ ، وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ ، وَبُلُوغِ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَتَمَكُّنِهِ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ ، سَوَاءً عَلِمَ أَمْ جَهِلَ ، فَكُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ، فَقَصَّرَ عَنْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ ، فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا عَاقَبَهُ عَلَى ذَنْبِهِ عَاقَبَهُ بِحُجَّتِهِ عَلَى ظُلْمِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=8كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=9قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [ ص: 233 ] وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ .
وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمٍ مِنْهُمْ ، الثَّانِي : مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمٍ مِنْهُ .
وَالْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ لِيُهْلِكَهَا بِظُلْمِهِمُ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُمْ مُصْلِحُونَ الْآنَ ، أَيْ إِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَصْلَحُوا وَتَابُوا ، لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ بِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنَ الظُّلْمِ .
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُمْ فِي إِهْلَاكِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُمْ وَهُمْ مُصْلِحُونَ ! وَإِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ وَهُمْ ظَالِمُونَ ، فَهُمُ الظَّالِمُونَ لِمُخَالَفَتِهِمْ ، وَهُوَ الْعَادِلُ فِي إِهْلَاكِهِمْ ، وَالْقَوْلَانِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ أَيْضًا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=131ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ .
قِيلَ : لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَهُمْ بِظُلْمِهِمْ ، وَشِرْكِهِمْ وَهُمْ غَافِلُونَ ، لَمْ يُنْذَرُوا وَلَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ .
وَقِيلَ : لَمْ يُهْلِكْهُمْ قَبْلَ التَّذْكِيرِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ ، فَيَكُونُ قَدْ ظَلَمَهُمْ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا وَلَا يُعَاقِبُهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُذْنِبًا إِذَا خَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِالرُّسُلِ .
فَإِذَا شَاهَدَ الْعَبْدُ الْقَدَرَ السَّابِقَ بِالذَّنْبِ ، عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَهُ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِأَثَرِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، كَمَا قَدَّرَ الطَّاعَةَ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِلثَّوَابِ ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ سَائِرِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، كَجَعْلِ السُّمِّ سَبَبًا لِلْمَوْتِ ، وَالنَّارِ سَبَبًا لِلْإِحْرَاقِ ، وَالْمَاءِ سَبَبًا لِلْإِغْرَاقِ .
فَإِذَا أَقْدَمَ الْعَبْدُ عَلَى سَبَبِ الْهَلَاكِ - وَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ سَبَبُ الْهَلَاكِ - فَهَلَكَ فَالْحُجَّةُ مُرَكَّبَةٌ عَلَيْهِ ، وَالْمُؤَاخَذَةُ لَازِمَةٌ لَهُ ، كَالْحَرِيقِ مَثَلًا ، وَالذَّنْبُ كَالنَّارِ ، وَإِتْيَانُهُ لَهُ كَتَقْدِيمِهِ نَفْسَهُ لِلنَّارِ ، وَمُلَاحَظَةُ الْحُكْمِ فِيمَا لَا يُجْدِي عَلَيْهِ شَيْئًا ، فَإِنَّمَا الَّذِي يَشْهَدُهُ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ مُلَاحَظَةُ الْأَمْرِ ، لَا مُلَاحَظَةُ الْقَدَرِ .
فَجَعْلُ صَاحِبِ الْمَنَازِلِ هَذِهِ اللَّطِيفَةَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجِنَايَةِ وَالْقَضِيَّةِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ ، بَلْ هُوَ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجِنَايَةِ وَالْأَمْرِ ، لَكِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ سِرَّ التَّقْدِيرِ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لَا
[ ص: 234 ] يَصْلُحُ إِلَّا لِلْوَقُودِ ، كَالشَّوْكِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلنَّارِ ، وَالشَّجَرَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الثَّمَرِ وَالشَّوْكِ ، فَاقْتَضَى عَدْلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسُوقَ هَذَا الْعَبْدَ إِلَى مَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ ، وَأَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حُجَّةَ عَدْلِهِ ، فَإِنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ الذَّنْبَ فَوَاقَعَهُ ، فَاسْتَحَقَّ مَا خُلِقَ لَهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=70لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ : حَيٌّ قَابِلٌ لِلِانْتِفَاعِ ، يَقْبَلُ الْإِنْذَارَ وَيَنْتَفِعُ بِهِ ، وَمَيِّتٌ لَا يَقْبَلُ الْإِنْذَارَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ ، لِأَنَّ أَرْضَهُ غَيْرُ زَاكِيَةٍ وَلَا قَابِلَةٍ لِخَيْرٍ الْبَتَّةَ ، فَيَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ ، وَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ، لَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْهُدَى وَالْإِيمَانِ ، بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ وَلَا فَاعِلٍ ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَوْنُهُ غَيْرَ قَابِلٍ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالرَّسُولِ ، إِذْ لَوْ عَذَّبَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لَقَالَ : لَوْ جَاءَنِي رَسُولٌ مِنْكَ لَامْتَثَلْتُ أَمْرَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ ، فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ ، فَعَصَى الرَّسُولَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْهُدَى ، فَعُوقِبَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاعِلٍ ، فَحَقَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَوْ جَاءَهُ الرَّسُولُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=33كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=6وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ .
فَالْكَلِمَةُ الَّتِي حَقَّتْ كَلِمَتَانِ : كَلِمَةُ الْإِضْلَالِ ، وَكَلِمَةُ الْعَذَابِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَكَلِمَتُهُ سُبْحَانَهُ ، إِنَّمَا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، فَحَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ حُجَّتِهِ ، وَكَلِمَةُ عَدْلِهِ بِعُقُوبَتِهِ .
وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ، أَمَرَ الْعِبَادَ أَنْ يَكُونُوا مَعَ مُرَادِهِ الدِّينِيِّ مِنْهُمْ ، لَا مَعَ مُرَادِ أَنْفُسِهِمْ ، فَأَهْلُ طَاعَتِهِ آثَرُوا اللَّهَ وَمُرَادَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ ، فَاسْتَحَقُّوا كَرَامَتَهُ ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ آثَرُوا مُرَادَهُمْ عَلَى مُرَادِهِ ، وَعَلِمَ سُبْحَانَهُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْثِرُونَ مُرَادَهُ الْبَتَّةَ ، وَإِنَّمَا يُؤْثِرُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمُرَادَهُمْ ، فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ، فَظَهَرَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مِنَ الْقَدَرِ الَّذِي قَدَّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِيثَارِهِمْ هَوَى أَنْفُسِهِمْ وَمُرَادِهِمْ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ وَمُرَادِهِ ، فَقَامَتْ عَلَيْهِمْ بِالْمَعْصِيَةِ حُجَّةُ عَدْلِهِ ، فَعَاقَبَهُمْ بِظُلْمِهِمْ .