فصل منزلة الاعتصام
ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28974ينزل القلب منزل الاعتصام .
وهو نوعان : اعتصام بالله ، واعتصام بحبل الله ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير .
والاعتصام افتعال من العصمة ، وهو التمسك بما يعصمك ، ويمنعك من
[ ص: 458 ] المحذور والمخوف ، فالعصمة : الحمية ، والاعتصام : الاحتماء ، ومنه سميت القلاع : العواصم ، لمنعها وحمايتها .
ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله ، والاعتصام بحبله ، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين .
فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة ، والاعتصام به يعصم من الهلكة ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده ، فهو محتاج إلى هداية الطريق ، والسلامة فيها ، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له ، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة ، وأن يهديه إلى الطريق ، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها .
nindex.php?page=treesubj&link=32498فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل ، والاعتصام بالله ، يوجب له القوة والعدة والسلاح ، والمادة التي يستلئم بها في طريقه ، ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله ، بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : تمسكوا بدين الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : هو الجماعة ، وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة .
وقال
مجاهد و
عطاء : بعهد الله ، وقال
قتادة و
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وكثير من أهل التفسير : هو القرآن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980282إن هذا القرآن هو حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة من تمسك به ، ونجاة من تبعه وقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن
nindex.php?page=hadith&LINKID=980283هو حبل الله المتين ، ولا تختلف به الألسن ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء .
[ ص: 459 ] وقال
مقاتل : بأمر الله وطاعته ، ولا تفرقوا كما تفرقت
اليهود والنصارى .
وفي الموطأ من حديث
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980284إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال رواه
مسلم في الصحيح .
قال صاحب المنازل :
nindex.php?page=treesubj&link=19659_19662_30491الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته ، مراقبا لأمره .
ويريد بمراقبة الأمر القيام بالطاعة لأجل أن الله أمر بها وأحبها ، لا لمجرد العادة ، أو لعلة باعثة سوى امتثال الأمر ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16259طلق بن حبيب في التقوى : هي العمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله .
وهذا هو الإيمان والاحتساب المشار إليه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980285من صام رمضان إيمانا واحتسابا " و "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980286من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له " فالصيام والقيام : هو الطاعة والإيمان : مراقبة الأمر . وإخلاص الباعث : هو أن يكون الإيمان الآمر لا شيء سواه . والاحتساب : رجاء ثواب الله .
فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل ، والله أعلم .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الِاعْتِصَامِ
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28974يَنْزِلُ الْقَلْبُ مَنْزِلَ الِاعْتِصَامِ .
وَهُوَ نَوْعَانِ : اعْتِصَامٌ بِاللَّهِ ، وَاعْتِصَامٌ بِحَبْلِ اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ .
وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمَا يَعْصِمُكَ ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ
[ ص: 458 ] الْمَحْذُورِ وَالْمَخُوفِ ، فَالْعِصْمَةُ : الْحِمْيَةُ ، وَالِاعْتِصَامُ : الِاحْتِمَاءُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقِلَاعُ : الْعَوَاصِمَ ، لِمَنْعِهَا وَحِمَايَتِهَا .
وَمَدَارُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَاتَيْنِ الْعِصْمَتَيْنِ .
فَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِهِ يَعْصِمُ مِنَ الْهَلَكَةِ ، فَإِنَّ السَّائِرَ إِلَى اللَّهِ كَالسَّائِرِ عَلَى طَرِيقٍ نَحْوَ مَقْصِدِهِ ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ ، وَالسَّلَامَةِ فِيهَا ، فَلَا يَصِلُ إِلَى مَقْصِدِهِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ ، فَالدَّلِيلُ كَفِيلٌ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي بِهَا تَحْصُلُ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=32498فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يُوجِبُ لَهُ الْهِدَايَةَ وَاتِّبَاعَ الدَّلِيلِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ ، يُوجِبُ لَهُ الْقُوَّةَ وَالْعُدَّةَ وَالسِّلَاحَ ، وَالْمَادَّةَ الَّتِي يَسْتَلْئِمُ بِهَا فِي طَرِيقِهِ ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ ، بَعْدَ إِشَارَتِهِمْ كُلِّهِمْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : هُوَ الْجَمَاعَةُ ، وَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ وَ
عَطَاءٌ : بِعَهْدِ اللَّهِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ وَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ : هُوَ الْقُرْآنُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980282إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، وَعِصْمَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَاةُ مَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980283هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْأَلْسُنُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ .
[ ص: 459 ] وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : بِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ، وَلَا تَفَرَّقُوا كَمَا تَفَرَّقَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى .
وَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ
مَالِكٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16068سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980284إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا ، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ .
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=19659_19662_30491الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ هُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى طَاعَتِهِ ، مُرَاقِبًا لِأَمْرِهِ .
وَيُرِيدُ بِمُرَاقَبَةِ الْأَمْرِ الْقِيَامَ بِالطَّاعَةِ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا وَأَحَبَّهَا ، لَا لِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ ، أَوْ لِعِلَّةٍ بَاعِثَةٍ سِوَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16259طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ فِي التَّقْوَى : هِيَ الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ ، تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ ، وَتَرْكُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ ، تَخَافُ عِقَابَ اللَّهِ .
وَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ وَالِاحْتِسَابُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980285مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا " وَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980286مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ " فَالصِّيَامُ وَالْقِيَامُ : هُوَ الطَّاعَةُ وَالْإِيمَانُ : مُرَاقَبَةُ الْأَمْرِ . وَإِخْلَاصُ الْبَاعِثِ : هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ الْآمِرَ لَا شَيْءَ سِوَاهُ . وَالِاحْتِسَابُ : رَجَاءُ ثَوَابِ اللَّهِ .
فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْمِي مِنَ الْبِدْعَةِ وَآفَاتِ الْعَمَلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .