فصل وأما فكيسير الرياء ، والتصنع للخلق ، والحلف بغير الله ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشرك الأصغر وقول الرجل للرجل : ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وإنا بالله وبك ، وما لي إلا الله وأنت ، وأنا متوكل على الله وعليك ، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا ، وقد يكون هذا شركا أكبر ، بحسب قائله ومقصده ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك وهذا اللفظ أخف من غيره من الألفاظ . أنه قال لرجل قال له ما شاء الله وما شئت : أجعلتني لله ندا ؟ قل : ما شاء الله وحده
، فإنه شرك من الساجد والمسجود له ، والعجب أنهم يقولون : ليس هذا بسجود ، وإنما هو وضع الرأس قدام الشيخ احتراما وتواضعا ، فيقال لهؤلاء : ولو سميتموه ما سميتموه ، فحقيقة السجود وضع الرأس لمن يسجد له ، وكذلك السجود للصنم ، وللشمس ، وللنجم ، وللحجر ، كله وضع الرأس قدامه . ومن أنواع الشرك سجود المريد للشيخ
ومن أنواعه ، وهذا سجود في اللغة ، وبه فسر قوله تعالى ركوع المتعممين بعضهم لبعض عند الملاقاة ادخلوا الباب سجدا أي منحنين ، وإلا فلا يمكن الدخول بالجبهة على الأرض ، ومنه قول العرب : سجدت الأشجار ، إذا أمالتها الريح .
ومن أنواعه ، فإنه تعبد لغير الله ، ولا يتعبد بحلق الرأس إلا في النسك لله خاصة . حلق الرأس للشيخ
[ ص: 353 ] ومن أنواعه ، فإنها شرك عظيم ، فإن التوبة لا تكون إلا لله ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والنسك ، فهي خالص حق الله . التوبة للشيخ
وفي المسند محمد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرف الحق لأهله . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بأسير ، فقال : اللهم إني أتوب إليك ، ولا أتوب إلى
فالتوبة عبادة لا تنبغي إلا لله ، كالسجود والصيام .
ومن أنواعه : ، وهو أعظم من الحلف بغير الله ، فإذا كان من حلف بغير الله فقد أشرك فكيف بمن نذر لغير الله ؟ مع أن في السنن من حديث النذر لغير الله ، فإنه شرك عنه صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر النذر حلفة .
ومن أنواعه : ، الخوف من غير الله ، والتوكل على غير الله ، والعمل لغير الله ، والإنابة والخضوع ، والذل لغير الله غيره ، وابتغاء الرزق من عند ، وحمد غيره على ما أعطى ، والغنية بذلك عن حمده سبحانه ، والذم والسخط على ما لم يقسمه ، ولم يجر به القدر نعمه إلى غيره ، وإضافة يشاؤه . واعتقاد أن يكون في الكون ما لا
ومن أنواعه . طلب الحوائج من الموتى ، والاستغاثة بهم ، والتوجه إليهم
وهذا أصل شرك العالم ، فإن الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته ، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها ، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده، كما تقدم ، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه ، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه ، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد ، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن ، وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها ، وهذه حالة كل مشرك ، والميت محتاج إلى من يدعو له ، ويترحم عليه ، ويستغفر له ، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ، ونسأل لهم العافية والمغفرة ، [ ص: 354 ] فعكس المشركون هذا ، وزاروهم زيارة العبادة ، واستقضاء الحوائج ، والاستغاثة بهم ، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد ، وسموا قصدها حجا ، واتخذوا عندها الوقفة وحلق الرأس ، فجمعوا بين الشرك بالمعبود الحق ، وتغيير دينه ، ومعاداة أهل التوحيد ، ونسبة أهله إلى التنقص للأموات ، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك ، وأولياءه الموحدين له ، الذين لم يشركوا به شيئا بذمهم وعيبهم ومعاداتهم ، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص ، إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا ، وأنهم أمروهم به ، وأنهم يوالونهم عليه ، وهؤلاء هم أعداء الرسل والتوحيد في كل زمان ومكان ، وما أكثر المستجيبين لهم ! ولله خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس .
وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله ، وعادى المشركين في الله ، وتقرب بمقتهم إلى الله ، واتخذ الله وحده وليه وإلهه ومعبوده ، فجرد حبه لله ، وخوفه لله ، ورجاءه لله ، وذله لله ، وتوكله على الله ، واستعانته بالله ، والتجاءه إلى الله ، واستغاثته بالله ، وأخلص قصده لله ، متبعا لأمره ، متطلبا لمرضاته ، إذا سأل سأل الله ، وإذا استعان استعان بالله ، وإذا عمل عمل لله ، فهو لله ، وبالله ، ومع الله .
والشرك أنواع كثيرة ، لا يحصيها إلا الله .
ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتسع الكلام أعظم اتساع ، ولعل الله أن يساعد بوضع كتاب فيه ، وفي أقسامه ، وأسبابه ومباديه ، ومضرته ، وما يندفع به .
فإن العبد إذا نجا منه ومن التعطيل وهما الداءان اللذان هلكت بهما الأمم فما بعدهما أيسر منهما ، وإن هلك بهما فبسبيل من هلك ، ولا آسى على الهالكين .