وروينا عن ، حدثنا أبي بكر الشافعي محمد بن يونس بن موسى ، حدثنا عثمان بن عمرو بن فارس ، أخبرنا علي بن المبارك الهنائي ، عن ، عن يحيى بن أبي كثير قال: أبي سلمة فقال: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "جاورت جابر بن عبد الله بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، فنظرت [ ص: 169 ] عن يساري فلم أر شيئا، فنظرت من خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء والأرض، فأتيت فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا". فدثروني وصبوا علي ماء باردا، فنزلت هذه الآية: ( خديجة يا أيها المدثر ) . ( قم فأنذر ) . ( وربك فكبر ) سألت رواه ، عن مسلم ، عن ابن مثنى عثمان بن عمر بن فارس.
وروينا من حديث قال أخبرني الزهري عروة بن الزبير; زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى عائشة فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار خديجة حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) . ( خلق الإنسان من علق ) . ( اقرأ وربك الأكرم ) . ( الذي علم بالقلم ) . ( علم الإنسان ما لم يعلم ) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال خديجة، أي لخديجة: مالي؟ وأخبرها الخبر. قال: لقد خشيت على نفسي. قالت له خديجة، كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة: حتى أتت به خديجة ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم أخي أبيها، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، [ ص: 170 ] وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة أي عم، اسمع من ابن أخيك. قال خديجة: ورقة بن نوفل يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا ، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. أن رويناه من حديث ، عن مسلم أبي الطاهر ، عن ابن وهب بن يونس عنه، وهذا لفظه. ورويناه من طريق وغيره ولفظهم متقارب. البخاري
ورويناه من طريق الدولابي ، حدثنا ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني عبد الله بن وهب، ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري عن عروة رضي الله عنها، فذكر نحو ما تقدم، وفي آخره: ثم لم ينشب عائشة ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة كي يلقي نفسه منها، تبدى له جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى ذروة تبدى له جبريل فقال مثل ذلك.
وعن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في عبيد بن عمير: حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية - والتحنث التبرر - فكان يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته: الكعبة، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته، وذلك الشهر رمضان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره، ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة [ ص: 171 ] التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل بأمر الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ. فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت ما أقرأ. فغتني به حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع. قال: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) . ( خلق الإنسان من علق ) . ( اقرأ وربك الأكرم ) . ( الذي علم بالقلم ) . ( علم الإنسان ما لم يعلم ) . فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتابا، فخرجت، حتى إذا كنت في وسط من الجبل، سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل. فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت رسلها في طلبي، فبلغوا خديجة مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي، حتى أتيت فجلست إلى فخذها مضيفا إليها، فقالت: يا خديجة أبا القاسم أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك، فبلغوا مكة ورجعوا إلي. ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عمي، واثبت، فوالذي نفسي بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع. فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفسي بيده، لئن كنت صدقتني يا لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان [ ص: 172 ] يأتي خديجة، موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول خديجة ورقة.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع ما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة، فقال له: يا ابن أخي! أخبرني بما رأيت وسمعت.فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه. ثم أدنى رأسه منه فقبل يأفوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله.