قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون
قوله تعالى ومن أظلم ابتداء وخبر ; أي لا أحد أظلم ممن افترى أي اختلق .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أو قال أوحي إلي فزعم أنه نبي
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ولم يوح إليه شيء نزلت في
رحمان اليمامة والأسود العنسي وسجاح زوج مسيلمة ; كلهم تنبأ وزعم أن الله قد أوحى إليه . قال
قتادة : بلغنا أن الله أنزل هذا في
مسيلمة ; وقاله
ابن عباس . قلت : ومن هذا النمط من أعرض عن الفقه والسنن وما كان عليه السلف من السنن فيقول : وقع في خاطري كذا ، أو أخبرني قلبي بكذا ; فيحكمون بما يقع في قلوبهم ويغلب عليهم من خواطرهم ، ويزعمون أن ذلك لصفائها من الأكدار وخلوها من الأغيار ، فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية ، فيقفون على أسرار الكليات ويعلمون أحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ، ويقولون : هذه الأحكام الشرعية العامة ، إنما يحكم بها على الأغبياء والعامة ، وأما الأولياء وأهل الخصوص ، فلا يحتاجون لتلك النصوص . وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ; ويستدلون على هذا بالخضر ; وأنه
[ ص: 37 ] استغنى بما تجلى له من تلك العلوم ، عما كان عند
موسى من تلك الفهوم . وهذا القول زندقة وكفر ، يقتل قائله ولا يستتاب ، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب ; فإنه يلزم منه هد الأحكام وإثبات أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم . وسيأتي لهذا المعنى في " الكهف " مزيد بيان إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله " من " في موضع خفض ; أي ومن أظلم ممن قال سأنزل ، والمراد
عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ارتد ولحق بالمشركين . وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه
لما نزلت الآية التي في " المؤمنون " : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأملاها عليه ; فلما انتهى إلى قوله nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثم أنشأناه خلقا آخر عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهكذا أنزلت علي فشك عبد الله حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال . فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ، فذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله رواه
الكلبي عن
ابن عباس . وذكره
محمد بن إسحاق قال حدثني
شرحبيل قال :
نزلت في nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ارتد عن الإسلام ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة ولو وجدوا تحت أستار الكعبة ، ففر عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان رضي الله عنه ، وكان أخاه من الرضاعة ، أرضعت أمه عثمان ، فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له ; فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال : نعم . فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال : إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين . قال
أبو عمر : وأسلم
[ ص: 38 ] nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بن أبي سرح أيام الفتح فحسن إسلامه ، ولم يظهر منه ما ينكر عليه بعد ذلك . وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من
قريش ، وفارس
بني عامر بن لؤي المعدود فيهم ، ثم ولاه
عثمان بعد ذلك
مصر سنة خمس وعشرين . وفتح على يديه
إفريقية سنة سبع وعشرين ، وغزا منها الأساود من أرض
النوبة سنة إحدى وثلاثين ، وهو هادنهم الهدنة الباقية إلى اليوم . وغزا الصواري من أرض
الروم سنة أربع وثلاثين ; فلما رجع من وفاداته منعه
ابن أبي حذيفة من دخول
الفسطاط ، فمضى إلى
عسقلان ، فأقام فيها حتى قتل
عثمان رضي الله عنه . وقيل : بل أقام
بالرملة حتى مات فارا من الفتنة . ودعا ربه فقال : اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح ; فتوضأ ثم صلى فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات ، وفي الثانية بأم القرآن وسورة ، ثم سلم عن يمينه ، ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه . ذكر ذلك كله
يزيد بن أبي حبيب وغيره . ولم يبايع
لعلي ولا
لمعاوية رضي الله عنهما . وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على
معاوية . وقيل : إنه توفي
بإفريقية . والصحيح أنه توفي
بعسقلان سنة ست أو سبع وثلاثين . وقيل : سنة ست وثلاثين . وروى
حفص بن عمر عن
الحكم بن أبان عن
عكرمة أن هذه الآية نزلت في
النضر بن الحارث ; لأنه عارض القرآن فقال : والطاحنات طحنا . والعاجنات عجنا . فالخابزات خبزا . فاللاقمات لقما .
nindex.php?page=treesubj&link=28977قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت أي شدائده وسكراته . والغمرة الشدة ; وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها . ومنه غمره الماء . ثم وضعت في معنى الشدائد والمكاره . ومنه غمرات الحرب . قال
الجوهري : والغمرة الشدة ، والجمع غمر مثل نوبة ونوب . قال
القطامي يصف سفينة
نوح عليه السلام :
وحان لتالك الغمر انحسار
وغمرات الموت شدائده .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93والملائكة باسطو أيديهم ابتداء وخبر . والأصل
[ ص: 39 ] باسطون . قيل : بالعذاب ومطارق الحديد ; عن
الحسن والضحاك . وقيل : لقبض أرواحهم ; وفي التنزيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=50ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم فجمعت هذه الآية القولين . يقال : بسط إليه يده بالمكروه .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أخرجوا أنفسكم أي خلصوها من العذاب إن أمكنكم ، وهو توبيخ . وقيل : أخرجوها كرها ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32889_32892روح المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه ،
nindex.php?page=treesubj&link=32893_32889وروح الكافر تنتزع انتزاعا شديدا ، ويقال : أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله وهوانه ; كذا جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وغيره . وقد أتينا عليه في كتاب " التذكرة " والحمد لله . وقيل : هو بمنزلة قول القائل لمن يعذبه : لأذيقنك العذاب ولأخرجن نفسك ; وذلك لأنهم لا يخرجون أنفسهم بل يقبضها ملك الموت وأعوانه . وقيل : يقال هذا للكفار وهم في النار . والجواب محذوف لعظم الأمر ; أي ولو رأيت الظالمين في هذه الحال لرأيت عذابا عظيما . والهون والهوان سواء .
تستكبرون أي تتعظمون وتأنفون عن قبول آياته .