وهي بأدنى البلقاء من أرض الشام في جمادى الأولى سنة ثمان
وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي، أحد بني لهب بكتابه إلى الشام، إلى ملك الروم، وقيل إلى ملك بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر عنه.
قال حدثني ابن إسحاق: محمد بن جعفر بن الزبير، عن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى عروة بن الزبير، مؤتة، في جمادى الأولى من سنة ثمان، وأمر عليهم وقال: إن أصيب زيد بن حارثة، زيد ، فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر ، على الناس، فتجهز الناس، ثم تهيؤوا للخروج، وهم ثلاثة آلاف، فلما حضر خروجهم، ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم. فلما ودع فعبد الله بن رواحة بكى، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب للدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار: ( عبد الله بن رواحة وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) . فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود. فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا
قال ثم مضى الناس، فحدثني ابن إسحاق: أنه حدث عن عبد الله بن أبي بكر، قال: كنت يتيما زيد بن أرقم، لعبد الله بن رواحة ، فخرج في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد، ويقول:
إذا أدنيتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك فانعمي وخلاك ذم ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام منتهي الثواء
يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل هديت فانزل
وقد حكى وغيره أن الهزيمة كانت على المسلمين، وحكى أيضا أن الهزيمة كانت على الروم. وكذا في صحيح ابن سعد والمختار من ذلك ما ذكره البخاري، من انحياز كل فئة عن الأخرى من غير هزيمة، وقد وقع ذلك في شعر ابن إسحاق لقيس بن المسحر اليعمري كذلك.
وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك من يومه فأخبر به عليه الصلاة والسلام أصحابه رضي الله عنهم بالمدينة قبل ورود الخبر بأيام. وقال: "لقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب، فرأيت في سرير ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت: عم هذا؟! فقيل لي: مضيا، وتردد عبد الله بن رواحة عبد الله بعض التردد ثم مضى" .
[ ص: 211 ] قال وذكر أبو عمر: ، عن عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ابن جدعان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل لي ابن المسيب، جعفر ، وزيد ، وابن رواحة في خيمة من در، كل واحد منهم على سريره، فرأيت زيدا ، وابن رواحة في أعناقهما صدود، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود. قال: فسألت - أو: قيل لي - إنهما حين غشيهما الموت أعرضا، أو كأنهما صدا بوجوههما، وأما جعفر فإنه لم يفعل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جعفر: إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء. قال عن وروينا عن أبو عمر: أنه قال: وجدنا ما بين صدر ابن عمر، جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة، ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح. وقد روي: أربع وخمسون، والأول أثبت.
وقال موسى بن عقبة: يعلى بن منية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت فأخبرني، وإن شئت أخبرتك. قال: فأخبرني يا رسول الله. فأخبره صلى الله عليه وسلم خبرهم كله، ووصفه له. فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم". قدم