الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن إجزاء القيمة في صدقة الفطر محل خلاف بين العلماء، فأجازها أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم، ومنع ذلك الجمهور.
قال النووي رحمه الله: لا تجزئ القيمة في الفطرة عندنا، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: يجوز وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري. قال: وقال اسحق وأبو ثور لا تجزئ إلا عند الضرورة. انتهى.
والأحوط الأقرب للدليل هو قول الجمهور، ولكن إن كنتم أخذتم بقول أبي حنيفة تقليدا لمن يفتي به فنرجو أن يجزئكم ذلك إن شاء الله، وقد بينا في الفتوى رقم: 125010أن الفتوى بالقول المرجوح في المسائل الاجتهادية بعد وقوع الأمر وصعوبة التدارك مما سوغه كثير من أفاضل العلماء، فعلى القول بجواز إخراج القيمة يكون ما دفعتموه إلى الفقراء مجزئا.
وأما تلك العائلة فإن كانوا فقراء فالدفع إليهم مجزئ، وإلا لم يجزئ الدفع إليهم، وقد بينا حد الفقير المستحق للزكاة في الفتوى رقم: 128146، ولا بأس في أخذهم هذا القدر من الصدقة إن كانوا مستحقين، وهذا قول الجمهور.
قال النووي: المشهور في مذهبنا أنه يجب صرف الفطرة إلى الاصناف الذين تصرف إليهم زكاة المال وجوزها مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر إلى واحد فقط. قالوا ويجوز صرف فطرة جماعة لإلى مسكين واحد. انتهى.
وأما الثلث الذي جعلتموه في المسجد فلا يجزئ عن صدقة الفطر التي وكلتم في قسمتها، فإن مصرف زكاة الفطر إما المساكين خاصة كما هو قول مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وإما مصرف زكاة المال كقول الجمهور. وليست المساجد من مصارف الزكاة لأن مصرف سبيل الله مختص بالجهاد عند عامة العلماء.
جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرف الزكاة في جهات الخير غير ما تقدم بيانه ، فلا تنشأ بها طريق ، ولا يبنى بها مسجد ولا قنطرة ، ولا تشق بها ترعة ، ولا يعمل بها سقاية ، ولا يوسع بها على الأصناف ، ولم يصح فيه نقل خلاف عن معين يعتد به ، وظاهر كلام الرملي أنه إجماع ، واحتجوا لذلك بأمرين :
الأول : أنه لا تمليك فيها ؛ لأن المسجد ونحوه لا يملك ، وهذا عند من يشترط في الزكاة التمليك .
والثاني :الحصر الذي في الآية ، فإن المساجد ونحوها ليست من الأصناف الثمانية ، وفي الحديث المتقدم الذي فيه : إن الله جعل الزكاة ثمانية أجزاء. ولا يثبت مما نقل عن أنس وابن سيرين خلاف ذلك. انتهى.
وعليه فإن أمكن رد هذا المال وجعله في مصرفه فذلك واجب، وإلا فهذا المال الذي أخرجتموه للمسجد مضمون عليكم لأنه حق الفقراء والمساكين فيجب أن يؤدى إليهم، فعليكم أن تجمعوا مقدار هذا المال من أموالكم ثم تخرجوها في مصرفها الذي حدده الله تعالى، ولا يلزمكم أن تخبروا دافعي الزكاة بما حصل بل نيتهم عند دفعهم الزكاة فيما سلف تجزئ عنهم فإن الوكالة لا تبطل بتعدي الوكيل على الراجح بل تبقى على حالها ويكون الوكيل ضامنا بتعديه فيزول عنه وصف الأمانة.
قال الموفق في المغني: ولا تبطل الوكالة بالتعدي فيما وكل فيه مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة. وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي. والوجه الثاني: تبطل الوكالة لأنها عقد أمانة فتبطل بالتعدي كالوديعة، ولنا أنه إذا تصرف فقد تصرف بإذن موكله فصح كما لو لم يتعد، ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة. والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة فإذا انتفت الأمانة بالتعدي بقي الإذن بحاله. انتهى.
وأفتى علماء اللجنة الدائمة في من أخذ من مال الزكاة لنفسه بغير حق بما عبارته: لا يجوز لك الأخذ من المال الذي سلم لك لتوزيعه على مستحقي الزكاة، فيجب عليك رد بدل المال الذي أخذت ، أو دفعه لمستحقيه مع التوبة والاستغفار مما حصل منك. انتهى.
والله أعلم.