الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعامل مع الآخرين، بين العزلة التامة والاندفاعية الزائدة، أرجو التوضيح.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت وأنا صغير والدي لا يعاملني معاملة الأطفال، كنت أستغرب من الأطفال الذين يلعبون في كل مكان، حيث كنت في عزلة دائمة، عشت وحيداً في فترة طفولتي، وعشت أستغرب من الأطفال الذين يأكلون الشيكولاته أو أي شيء له علاقة بالطفولة، رغم أني طفل مثلهم.

وكنت في مرحلة الإعدادية إنساناً صامتاً لا أتكلم مع الآخرين، وفي مرحلة الثانوية بدأت أكون اجتماعياً لدرجة لا يتخيلها أحد، حتى قال لي بعض الأشخاص: إنك شخصية متقلبة، فجأة تكون مرحاً وفجأة تكون صامتاً.

وفي المرحلة الجامعية في أول سنة زادت مرحلة انتشاري في الجامعة، وكنت أحب الناس لدرجة كبيرة، ولكن لا أعلم ما في قلوبهم، فكانوا يكرهونني بداخلهم ولا أعلم، وكانوا يتمنون لي الشر ولا أعلم، وثقتي فيهم كانت زائدة لدرجة كبيرة، حتى اعتبرتهم إخوتي، وكانوا يترددون على بيتي باستمرار، وأخذوا مني كل ما يمكن أخذه، أطلقت عليهم الباحثين حول المصلحة، وهذا أثّر فيّ كثيراً؛ لأني بطبيعتي انطوائي، ولكني أتحدث مع الناس بسذاجة وأقول كل ما في قلبي ويستخدمه الشخص الآخر سلاحاً ضدي، ويعرف نقاط الضعف.

وشكراً جزيلاً وجعله الله في ميزان حسناتكم يوم القيامة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فحين اطلعت على رسالتك من الوهلة الأولى أتاني شعور واعتقاد أنك تعاني من حالة تعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، أي أن شخصيتك تميل إلى المرح في بعض الأحيان، وتميل إلى الكدر والاكتئاب والمشاعر السوداوية والانطواء في أوقات أخرى، ولكن بقراءتي لرسالتك مرة أخرى وتفحصها رأيتُ أن هذا التشخيص لا ينطبق عليك، فأنت قد تكون فقط شخصاً منفتحاً أكثر مما يجب، وتعلمت الوضوح والصراحة بشكل قد يستغله البعض.

وفيما يخص التقلب المزاجي الذي حدث لك -فقد وصفت مرحلة الطفولة بالانطوائية والانعزال، وبعد ذلك كنت اجتماعياً في المرحلة الثانوية وأصبحت في الجامعة كثير التواصل الاجتماعي، وبعد ذلك تأتيك أيضاً نوبات من الانطواء، أو أن الطابع العام على شخصيتك هو الانطوائية- فهذا التقلب المزاجي يحدث لبعض الناس، ولا يستوفي شروط الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، إنما هو فقط سمة من سمات الشخصية وليس أكثر من ذلك.

ربما يكون لديك أيضاً شيء من الاندفاعية الزائدة حين تجد نفسك في مزاج حسن، وبذلك تحاول أن تعوض على انطوائيتك والانعزال الذي تعاني منه في أوقات أخرى، هذا نوع من التصرف التعويضي كما يصفه علماء النفس الذين ينتهجون منهج المدرسة التحليلية.

وأقول لك بكل وضوح وصراحة: أنت مدركٌ تماماً لطبيعة مشكلتك، كل المطلوب منك هو أن تتريث أكثر وأن تكون أكثر كياسة في التعامل مع الناس، ولا أدعوك لسوء الظن أبداً، بل حسن الظن دائماً هو المطلوب، ولكن دائماً ينبغي أن تكون حذراً في تعاملك مع الأشخاص الذين تعتقد أنهم باحثون حول المصلحة.

الناس جميعاً تبحث عن مصالحها ولكن هناك تفاوت، الذي يُرفض هو الاستغلال والأنانية، ولكن تبادل المصالح بين الناس هو شيء موجود وشيء لا نستطيع أن نقول أنه غير مشروع.

الشيء الآخر هو أن تبني لك شبكة من الأصدقاء، عدد قليل من الأصدقاء، من أصحاب الدين، من أصحاب الخلق، من الذين يُعتمد عليهم، ولا شك أنك ستجد معهم -إن شاء الله- السلوى والاحترام، والمعاملة الطيبة التي لا يشوبها أي نوع من الابتذال أو الاستغلال المرفوض.

أنا أرى أن لديك مميزات طيبة يمكن أن تستغلها في الانخراط في الأعمال التطوعية والنشاطات الشبابية، نحن لا نريد أن نحجم طاقاتك هذه ونقول لك يجب أن تعزل نفسك أو تبعد نفسك، فإن هذا ليس صحيحاً وليس ممكناً، ولكن أعتقد أن طاقاتك يمكن أن توجهها توجيهاً جيداً وذلك بالانخراط في الأعمال التطوعية وأعمال البر والإحسان، فهذه تشعرك بالرضا، ولن تستغل من قبل أي أحد في مثل هذه البيئات.

شيء آخر هو أن تمارس الرياضة -أي نوع من الرياضة- مثل كرة القدم أو الجري، فسوف أيضاً تحول طاقاتك السلبية إلى طاقات إيجابية، لأننا نعرف أن للرياضة أثرا ومردودا ممتازا جدّاً على الطاقة الجسدية وكذلك الطاقة النفسية.

وإذا كان هذا الأمر يزعجك لدرجة كبيرة وشديدة فيمكنك أن تتناول أحد الأدوية البسيطة التي تتحكم في المزاج، لا أعتقد أنك في حاجة إلى جرعة علاجية، ولكن ربما تستفيد من جرعة وقائية صغيرة، الدواء يعرف تجارياً باسم (تجراتول Tegretol) أو يسمى علمياً باسم (كاربامزبين Carbamazepine)، وهو -الحمد لله- متوفر بكثرة في مصر، فيمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة مائة مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى مائتي مليجرام ليلاً، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها بعد ذلك إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

يمكنك أن تتناول هذا الدواء من قبيل التجربة العلمية المفيدة، ونحن لا نجرب الأدوية في الناس، ولكن هناك ما يعرف بالتجريب العلاجي، والتجريب العلاجي إذا لم يفد الإنسان لن يضره أبداً، وأعتقد أن هذا الدواء قد يساعدك.

أريدك أيضاً دائماً أن تتذكر نقاط القوة فيك، النقاط الإيجابية، الأشياء التي يحمدها الإنسان عنك، هذه يجب أن تتذكرها؛ لأن التركيز على الإيجابيات والتفاعل معها يؤدي إلى مزيد من الإيجابيات ويؤدي إلى ثقة متوازنة جدّاً في النفس.

وختاما لا أعتقد أنه لديك مشكلة أساسية، عليك أن تركز في دراستك الجامعية حتى تكون من المتميزين والمتفوقين بإذن الله وأسأل الله لك النجاح والسداد.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً