السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فمشكلتي ـ أيها السيد الفاضل ـ أنني فتاة أبلغ من العمر 27عاماً، وقد تخرجت من كلية الدراسات الإسلامية من أسرة معروفة وميسورة جداً.
تقدم لي شاب من قبل ثلاث سنوات ونصف، وهو ذو خلق ودين وسمعة طيبة، مشهود له بين الناس، والجميع يتمنى التقرب منه ومصاحبته من فرط أخلاقه ودينه! وأنا قد وافقت عليه، وأرجو أن يكون زوجاً لي! ولكن والدي ـ سامحه الله ـ لم يقبل به!
مع العلم بأنه يعترف بحسن أخلاقه ودينه، ويقول بحقه أنه لا يعوض! أما والدتي فهي موافقة عليه مثلي، وكذلك عمي هو أيضاً سأل عنه ووجده مناسباً، فكما ترون لا يوجد عائق في المسألة سوى أبي!
وأما السبب الذي جعل أبي يرفض فهو يعود إلى وجود قرابة سيئة السمعة تعود إلى أمه من ناحية أمها – أي ابن خال أمهِ - ولكنها قرابة بعيدة، مع العلم بأن ابن خال أمه وذريته أصحاب بيت مشبوه ـ أي يشتغلون في مجال غير مرغوب به ـ ولكن بالمقابل نجد بأن عشيرتهم ـ وهم أناس ذوي شهادات رفيعة، ومعروفون بين الناس بسيرتهم الطيبة ـ قد تبرؤوا من ابن خال أمه، وقد أنكروا عليه عمله، وابتعدوا عنه وقاطعوه بشكل كلي!
والشاب الذي تقدم طالباً يدي لا يعرف ابن خال أمه هذا، ولا يدري ما هو شكله على الإطلاق، ولا يعلم أحداً من الناس أن له قرابة سيئة السمعة؛ لأن العلاقات مقطوعة بين الشاب وبين ابن خال أمه بشكل تام! فلو حدث أن تقابلوا صدفة في الشارع أو أي مكان آخر لما عرف بعضهم بعضاً!
ولقد قام أبي بفضح الشاب بهذه الصلة (القرابة)، بالله عليك ـ يا سيدي الفاضل ـ هل بيد الإنسان أن يختار أقاربه؟ وماذا يفعل لهم؟ فهو ليس قيما عليهم! وهل توجد أسرة في هذا الكون المليء بالفجور والعصيان لا تشوبها شائبة!؟ ومع ذلك لا ننسى قول الحق تبارك وتعالى في قرآنه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ))[النجم:38-40].
ولقد قمت باستشارة عدد من المقربين إلى أبي، فقالوا لي بأن موقف أبي غير صحيح، وليس له أي أساس من الصحة أو الشرع، وأن الذي يفعله حرام! مع العلم أن أبي يعرف تمام المعرفة بأنني أريد الزواج من هذا الإنسان بالتحديد، ولا أقبل بغيره! وقد أعلنت رغبتي هذه على الجميع فازداد رفض أبي لهذا الزواج!
مع العلم بأن والدي يعلم بأمور الدين والشرع، ويعلم بأن ما يفعله بي هو الحرام بعينه، ولكنه من الناس الذين يتخذون دينهم على هواهم، حيث إنه يفسر الدين على هواه ولا يستمع لرأي أحد؛ لأنه يضع رأيه فوق الكل، ويعتبر نفسه مصيبا، وكل من حولهُ من خيرة القوم في أمور الدين مخطئين!
ولكننا إذا رأينا تطبيقه للدين الإسلامي، الذي يجعله سلاح يشهرهُ وفي وجهي ليبرر مواقفه الخاطئة، ويملي ما يريد باسم الدين على أسرتي لوجدتم أن أسرتي مفككة بالكامل، والسبب هو بالطبع هو أبي، فهو أب غير مثالي؛ لأنه منذ ما كنا صغاراً وهو يفرق بالتعامل معنا، وخصوصاً أنا، فأنا غير مقربة إليه بالمرة، وبصراحة شديدة أني لا أشعر بأنه والدي مطلقا! وإنما إنسان غريب! فهو لا يسأل عني أو عن احتياجاتي أو عن صحتي وأمري! لا يهمهُ في شيء!
وأنا الآن عمري يكبر ولا يصغر، فهو لا يهمهُ إن تزوجتُ أم لا! ولا أخفي عليك ـ يا سيدي الفاضل ـ بأنني الآن في فتنة، وأنا أريد الزواج، وأخافُ أن أرتكب حماقة أو الحرام؛ لأني أريد ممارسة حياة طبيعية في الحلال، وأبي يمنعني من ممارسة حقي الشرعي في الاختيار والزواج ممن أرغب، وإذا قلت لي تزوجي بآخر، فأقول لك بإني أخاف الله بهذا الفعل أن أظلم إنساناً آخر؛ إذ أن قلبي وعقلي سيكون مع غيره!
وقد هددني أبي بأنه سوف يقتلني إذا تزوجتُ هذا الشاب، أو يحرمني من الميراث ويتبرأ مني، أو يطلق أمي إذا ما تمت هذه الزيجة! وأيضاً يقول أبي: إذا تزوجت هذا الشاب فإنهُ سوف يطلقني بعد مدة ليكسر أنفي ويطلق الحجة والحجة! أريد الزواج منه والعفاف! ومع ذلك يعودُ فيقول بأني إذا ما تزوجتُ هذا الشاب فإنهُ سيقتلني!
مع العلم بأن الظروف التي تمر بالبلد من موت للشباب بكثرة بالتحديد، بالإضافة إلى قلة المتدينين، وتعدد الطوائف، وكثرة الفتيات، حيث أصبح من الصعب إيجاد الشخص المناسب للزواج، ولكن الأسر تريد فقط تزويج بناتها بشتى الوسائل والسبل، ولكن أبي لا يهتم بكل هذه المواضيع، بل يقول: لا ضير في بقائها دون زواج! ولا يعرف كيف أني أتمزق في اليوم والليلة، وأنا أرى كل يوم أشخاصاً يزوجون بناتهم من رجال ليس لديهم من دين الله إلا النزر اليسير من المعرفة والعلم!
مع العلم بأن الشاب الذي أريده قد حفظ الكثير من كتاب الله وسنة نبيهِ محمد (ص).
ملاحظة: أرجو أن تشرح لي قول الرسول محمد (ص): (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) فوالدي يربط معنى هذا الحديث بالأخلاق، فإنها في نظره تنتقل جينا مع الأجيال، وليس عن طريق التربية أو الصحبة سواءً كانت فاسدة أو صالحة، ويحجب النظر عن القول الذي يقول يخلق الفاسق من ظهر عالم، والعالم من ظهر فاسق، وقول الرسول (ص): (من جاءكم ترضون دينهُ وخلقهُ فزوجوهُ إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير، قيل: يا رسول الله! وإن كان فيهِ، قال: فزوجوهُ ثلاثاً).