الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف على صديقي من التحرش، فبماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم.

تعرضت للتحرش وأنا طفل، وكان هذا الموضوع قد سبب لي همًا وضيقًا كبيرين، حتى أصبح عمري 15 عامًا، استطعت التخفيف من الهم الذي أشعر به، ولكنه جعلني شكاك جدًا في الناس، ولكن في المقابل أخاف أن يشك شخص بي؛ لذلك أبتعد عن أي فتى يبدو جميلاً.

تعرفت على صديق عمره 16 سنةً، هو أصغر مني بسنتين، لم أرد في البداية أن أصادقه؛ حتى لا يشك الناس بي، ولكنه كان اجتماعيًا، وكان يريد مصادقتي، فلم أستطع رد ذلك، ومشكلتي هي نظرة الناس المقززة التي أراها له، ونيته الصافية، كأنه لا يعرف أنه جميل.

أصبحت أشك في أي شخص يبدي أي اهتمام به، أو يسأل عنه، ولا أستطيع أن أخفي ذلك من ملامحي مهما فعلت، يظهر في وجهي التقزز أو الاستنكار.

أشعر أن هذا يسبب لي مشكلةً، والمشكلة الأكبر أني أعرف بأنه يتعامل مع ذئاب بشرية بحق، لكنه مغفل، لا أعرف كيف أتعامل معه؟

أنا أعتبره مثل أخي، وأخاف عليه من هؤلاء، لكن لا أريد أن أخبره عن هؤلاء ثم يظن أني ألمح له، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب،

لا شك أن المواقف المؤلمة تبقى محفورةً في الذاكرة، وما تعرضت له جعل لديك حساسية شديدة تجاه بعض المواقف التي تذكرك بتلك التجربة، وهذا أمر طبيعي نظرًا للأثر النفسي الذي تتركه مثل هذه التجارب، ويُعرف هذا بـ "كرب ما بعد الصدمة"، ومع ذلك من المهم التعامل مع هذه المشاعر بحكمة؛ حتى لا تؤثر سلبًا على حياتك وعلاقاتك مع الآخرين.

أحد أهم أسباب تأثير تلك المواقف على النفس هو عدم الوعي بالعلاج المناسب، إضافةً إلى وعي البيئة والأسرة؛ مما يؤدي إلى استمرار هذه المشاعر، واستقرارها في النفس، حتى تنعكس على شكل سلوكيات سلبية، وفي حالتك تحولت هذه التجربة إلى شك وارتياب في سلوك الآخرين، وهذا يحتاج إلى وعي بالعلاج المعرفي السلوكي لحالات التحرش، وما يعقبها من آثار نفسية، ويحتاج جهدًا مشتركًا بين الشخص، والأسرة، والمجتمع.

وفي الحالات المتقدمة تحتاج إلى تدخل الطبيب النفسي؛ لذلك يمكن أن نقدم لك بعض النصائح التي قد تساعدك في تجاوز آثار هذه المشكلة النفسية:

أولاً: تعزيز الثقة بالنفس، هذا الجانب مهم جدًا لتجاوز المشكلة، وهنا نحتاج إلى التأكيد على عدة أمور:

- الأمر الأول: أنك لم تكن سببًا في هذا التحرش، ولم يصدر برغبة منك، وهذا يقلل من جلد الذات، وتأنيب الضمير.

- الأمر الثاني: لديك من القدرات، وقوة الشخصية، والثقة ما يمكنك من التغلب على هذه المشكلة ونتائجها، وهذا سيساعدك على بناء الحصون النفسية، وتعزيز ثقتك بنفسك.

ثانيًا: المبادرة والبناء، الاستسلام للمخاوف وتخيل النتائج السلبية يقوم بشل التفكير في الحلول، ويجعل الشخص يعيش في دوامة الألم النفسي، والعجز عن البناء، وهذا يمنع تطور الشخصية، وبناء جوانب القوة فيها لتقاوم، لذلك من المهم بناء الذات، وتطوير المهارات الشخصية، وتحقيق النجاح الذي يعزز ثقتك بنفسك.

ثالثاً: تحليل المشكلة، ووضع الحلول المنطقية، بعد حدوث التحرش قد يعجز الإنسان عن التفكير لفترة، أو يعيش داخل صدمة لفترة طويلة من الزمن، ولكن في النهاية لا بد من تحليل المشكلة، والتفكير في أسبابها، ووضع الحلول لتجنب تكرارها، وهذا يساعد في تعزيز الوقاية الإيجابية من هذا الفعل وآثاره، لذلك لا بد من دراسة الموضوع بتأنٍ من جميع الجوانب؛ فهذا يمنحك وعيًا أكبر، ويمكّنك من التحرك بثقة وراحة دون خوف أو شك.

أخي الفاضل: أما ما يتعلق بخصوص صديقك، فيمكنك توجيه صديقك وحمايته من التحرش بطرق غير مباشرة، مثل: تعريضه لمفاهيم الحماية من خلال دورات تدريبية، أو فتح نقاشات وحوارات توعوية غير مباشرة حول الموضوع، وهذا يعزز وعيه دون أن يشكل حاجزًا نفسيًا يجعله يشعر بالخوف أو الشك.

أخيرًا: إذا شعرت أنك بدأت تتجاوز آثار هذه التجربة، فمن الجيد أن تنطلق في بناء ذاتك، وتطوير مهاراتك، وتحقيق أهدافك في الحياة، وجود الطموحات والأهداف يساعد في تجاوز الأفكار السلبية، ويجعلك تعيش حياتك بشكل طبيعي، أما الاستسلام لتلك الأفكار، فسوف يؤدي إلى تضخيمها، وتحويلها إلى مخاوف وهواجس تلازمك بقية عمرك، واعلم أنه كما أن في الناس أشراراً وذئاباً، كذلك فيهم من هو على خير، والإنسان مأمور بحسن الظن بالآخرين، وأيضاً الحذر وأخذ الحيطة من بعض التصرفات التي قد تصدر من بعضهم.

اجعل علاقتك بالله قوية، وكن محاطًا بصحبة صالحة، وبيئة تعينك على الخير وتوجهك إليه، وهذا سيساعدك في استعادة الثقة بنفسك، والعيش بوعي وتوازن.

وفقك الله ويسّر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً