الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالحزن لأني رأيت رؤى تبشر بالزواج ولم تتحقق!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منذ صغري تعودت على رؤية الكثير من الرؤى، وتقع كما هي، حتى بت أصدقها وأظنها من الله، وفي شبابي دعوت الله أن ييسر زواجي، وكنت كلما صليت ودعوت الله أرى منامًا، والكثير من الأحداث، سواء كانت تخصني أو تخص غيري، وبشرى بزواج سعيد.

رأيت ابنة خالي وهي مقبلة على الزواج في أيام العيد، ووالدها غاضب منها، وفي نفس المنام رأيت أمرًا يتعلق بزواجي أنا، وفعلًا بعد سنة أو سنتين تزوجت ابنة خالي في ثالث أيام عيد الفطر، وكان والدها رافضًا لهذا الزواج، ولم يحضر الزفاف.

وهكذا مضى الوقت وأنا أرى أحداثاً تبشر بالزواج، ولكن بعد طول انتظار خالجني اليأس كثيرًا، وكلما وقع أمر مما رأيت، استبشرت وقلت: رؤياك صادقة فاصبري، ورغم تقدم الرجال كنت أرى في الاستخارة أنهم ليسوا من نصيبي، وبذلت ما بوسعي، ولم يتم الزواج، وانصرف الخطاب عني، وكنت أقول في نفسي: لا بأس، وعدك الله في منامك بزوج تسرين به، سيتأخر لكنه آت، حتى شارفت على الأربعين.

أنا الآن حزينة وأتألم وأشك، وأشعر أني عشت في الوهم، وتراودني الكثير من الأفكار، وأقول في نفسي: ربما كانت من وحي الشياطين فيزداد حزني، فهل تعلم الشياطين الغيب؟ وهل تعلم ما سيحدث بعد سنوات؟ وهل تركني الله فريسة لهم وجعلهم يعبثون بعقلي، وأنا أدعوه وأصلي له وحده؟ هل تخلى الله عني؟

عقلي لم يعد يحتمل، تمكن مني اليأس والحزن، وباتت الصلاة ثقيلة علي، أشعر أن الله تخلى عني، والآن أريد إنقاذ ديني وإيماني، فكيف أمحو من عقلي أن هذه الرؤى فعلًا وقعت، وأن الله لا يخلف وعده؟ أريد فقط استرداد إيماني، وأن أجد حلاوة الصلاة والدعاء من جديد، لم يعد أمر الزواج يهمني، فقد فاتني القطار، ولكني لا أريد خسارة الآخرة كما خسرت الدنيا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

قد استمعنا جيدًا إلى حديثك، وقرأنا رسالتك أكثر من مرة، وتبين لنا أن الخلل عندك مصدره أمران:
- عدم التفريق بين الرؤى وحديث النفس.
- عدم التفريق بين ابتلاء الله للعبد، وما أطلقت عليه (الخذلان).

ولو فهمت -أيتها الكريمة- الجواب على الأمرين جيدًا، لذهب عنك أكثر ما تجدين من ألم، فانتبهي -رعاك الله-.

الرؤيا على ثلاثة أضرب:
- الرؤيا الصالحة: وهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين، وهذا يتحقق بأمر الله.
- حديث النفس: ويأتي للإنسان على أثر شيء هو مهتم به، أو يريده، فيرى حلمًا في النوم، وليس من الرؤى، ومنه ما يقع، ومنه ما لا يقع.
- الحلم: وهو من الشيطان، ولا يقع -بإذن الله تعالى-.

ففي حديث البخاري: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا : وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة"، وفي رواية مسلم: "لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة"، وفي الصحيحين أيضًا: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان".

وفي صحيح مسلم: الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس.

وفي الحديث: "الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص -إن شاء الله-، وإن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم يصلي"، [رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وصححه الألباني].

وروى ابن ماجه عن عوف بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" [وصححه الألباني].

وكل ما حدث معك من رؤى تخصك وتخص الزواج هو من قبيل الصنف الثاني، وليس من الرؤى التي تقع -بإذن الله-، وعدم التفريق بين الأمرين هو ما سبب عندك هذا الخلل.

الأمر الثاني: الابتلاء من السنن الكونية، ووقوع البلاء على الخلق اختبار لهم، وتمييز بين الصادق والكاذب، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، وقال تعالى: {الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

وأكمل الناس إيمانًا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وهم أشد الناس في الابتلاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أشد الناس بلاء: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".

وعليه فما يحدث معك -أختنا- هو من هذا القبيل، ابتلاء يرفع الله به الدرجات -إن شاء الله تعالى-، إذا ما صبر الإنسان عليه واحتسب الأجر، وساعتها لن تخسري آخرتك، ولا دنياك -إن شاء الله-، إذًا ليس كل من ابتلي بشيء خسر دنياه، ثم إن الابتلاء يتفاوت بين الناس، ولو زرت مرة مرضى الكلى، لوجدت فتيات في العشرين وأقل، وأقصى أمانيهن أن يمر عليهم يوم بلا ألم، لو زرت مستشفى السرطان لوجدت آلاف المرضى ينتظرون الموت، لو زرت البلاد التي وقعت فيها الحروب، لوجدت من فقدوا أهليهم، وليس لهم بيت يرتحلون إليه، ولا طعام يشبع جوعهم، ولا أنيس لوحشتهم، والمصائب كثيرة ومتنوعة، أنت -والحمد لله- في عافية من هذا كله، لذا ننصحك بالتفكر فيما رزقك الله إياه من النعم، والصبر على الابتلاء، مع الدعاء لله أن يصرف عنك ما حل بك، وستجدين عقبى ذلك في حياتك -إن شاء الله-.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن ييسر لك الخير، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً