الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بكى طفل بجانبي أثناء صلاة الجمعة فلازمني خوف في كل جمعة!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في يوم من الأيام ذهبت لصلاة الجمعة، وصلت المسجد، وصليت تحية المسجد، وقرأت القرآن، وفي الصلاة بكى طفل بجانبي بصوت عال، تضايقت في الصلاة، ولم يتوقف صوته العالي، َقبل التسليم أحسست ببرودة في جسمي، تسارعت ضربات قلبي بقوة، وخفت، وعندما سلم الإمام خرجت مسرعًا، وذهبت إلى البيت كأني مرهق، ونسيت الموقف إلى الجمعة الثانية، ذهبت لمسجد آخر، وكان الموقف في بالي وأنا أقرأ سورة الكهف، تذكرت وقلت في نفسي: هل كان بهذا الطفل مس؟

رجع الخفقان بقوة وخرجت من المسجد، وجلست في الصفوف الخلفية، خطب الإمام، وزاد الخفقان، وخرجت في حوش المسجد، وجلست إلى أن أقيمت الصلاة، وصليت في الخارج مع الجماعة، وبدأ الخفقان بقوة، وتابعني هذا الشعور في كل صلاتي.

فحصت كل شيء، وكان كل شيء سليماً، ولكن كان الضغط مرتفعًا قليلاً، ولمدة شهر وزيادة وأنا على هذه الحالة، وزاد الضغط، وصرف لي حبوب الضغط، أعتقد اسمها (أملو ٥ جرام).

بعض الأطباء وصفوا لي حبوبًا للتوتر، وما زال التوتر في كل صلاة، فحصت الجرثومة، ولا توجد، أعطوني حبوب القولون، والارتجاع المريئي، وفي كل صلاة يأتيني التوتر، ويحدث معي مثل انتفاخ الجرثومة.

جزاكم الله خيرًا، أرشدوني، فآخر جمعة لم أصلها، وأخاف أن أتعود على هذا الخوف، علماً أني رقيت نفسي، وأحافظ على الأذكار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلطان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي: الحالة التي حدثت لك هي حالة بسيطة تُسمَّى بنوبات الفزع أو الهلع أو الهرع، وأنا أعرف أنها مزعجة، لكن أؤكد لك -يا أخي الكريم- أنها ليست خطيرة، والهلع أو الفزع أو الهرع هو نوع من القلق النفسي الحاد، الذي يحدث فجأة وبدون مقدمات في معظم الأحيان، وأحيانًا تكون هنالك أسباب واهية جدًّا، هي التي سبّبت هذه الحالة.

وجود الخوف الشديد وتسارع ضربات القلب، وربما الشعور بالتعرُّق، والبعض يشعر أن المنيّة قد أوشكت، وهنالك مَن يحسّ بخفّة في الرأس؛ هذا كلُّه حادث من إفرازات كيميائية على مستوى الجسد، الجهاز العصبي اللا إرادي ينشط فجأة، وتُفرز مادة الأدرينالين، وهذه هي التي تُؤدي إلى التسارع الشديد في ضربات القلب...
هذا باختصار -أخي الكريم-.

ونوبات الخوف هذه لا تدل على خور وجبن وضعف في الإيمان، أسبابها لم تُعرف كاملة، لكن هنالك مَن يرى أنها ربما تكون ناتجة من بعض المواقف التي تعرض فيها الإنسان للخوف أثناء الطفولة مثلًا، أو قد يكون هنالك نوع من التأثيرات الوراثية، أو البناء النفسي للإنسان، الذي أصلًا لديه ميول للقلق، وشيء من الحساسية.

عمومًا أنا أؤكد لك أن الحالة بسيطة جدًّا، -وإن شاء الله تعالى- سوف تُعالَج، هنالك علاج دوائي، وأفضل دواء هو أحد مضادات الاكتئاب، بالرغم من أنك لست مكتئبًا، لكن وجد أن هذا الدواء هو الأفضل لعلاج هذه النوبات.

الدواء يُعرف باسم (سيبرالكس) هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي (اسيتالوبرام)، وفي حالتك ما دامت الحالة قد تكررت، فلابد أن تبدأ في تناول هذا الدواء، هنالك حبة تحتوي على عشرة ملجم، ابدأ بتناول نصفها -أي خمسة ملجم- يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة يوميًا -أي عشرة ملجم- لمدة شهرٍ، ثم انتقل إلى الجرعة العلاجية، بأن تتناول عشرين مليجرامًا يوميًا من السيبرالكس، ومدة العلاج -أي الفترة العلاجية- هي ثلاثة أشهر، تكون على عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، بعد ذلك انتقل إلى المرحلة الوقائية، بأن تجعل جرعة السيبرالكس عشرة ملجم يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم انتقل إلى مرحلة التوقف التدريجي، بأن تجعل الجرعة خمسة ملجم يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة ملجم يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين أيضًا، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

السيبرالكس دواء رائع ممتاز، غير إدماني، وغير تعوّدي، فقط ربما يفتح الشهية قليلًا نحو الطعام، كما أنه بالنسبة للبعض عند المعاشرة الزوجية ربما يُؤخّر القذف قليلًا، لكنه لا يتعارض أبدًا مع الصحة الذكورية، أو الصحة الإنجابية عند الرجل.

بجانب السيبرالكس هنالك دواء آخر بسيط جدًّا يُسمَّى (إندرال)، هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي (بروبرانوال) أريدك أيضًا أن تتناوله بجرعة عشرة ملجم يوميًا في الصباح والمساء لمدة شهرٍ، ثم عشرة ملجم صباحًا لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عنه.

وقبل أن تذهب إلى صلاة الجمعة بساعة، يمكن أن تتناول عشرة ملجم أيضًا، يوم الجمعة تحتاج إلى ثلاثين ملجم في اليوم، وهذه تظلُّ جرعة صغيرة جدًّا، وهو دواء بسيط وسليم.

أخي: هذه هي العلاجات الدوائية، وهي ضرورية، وبجانب ذلك أريدك أن تتدرَّب على تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة مطلوبة جدًّا، إذا ذهبت إلى الطبيب النفسي سوف يصف لك الدواء، وفي ذات الوقت يُدرّبك على هذه التمارين، وإذا لم تستطع هنالك مواقع على اليوتيوب، توضح كيفية ممارسة الاسترخاء بصورة علمية.

الأمر الآخر -وهو ضروري جدًّا-: يجب ألَّا تتجنّب المسجد الأول الذي حدثت لك فيه هذه الظاهرة، لن تحدث -إن شاء الله- بعد ذلك، وحتى لو حدثت فسوف تكون خفيفة جدًّا، ولا تتجنّب؛ لأن التجنُّب يزيدُ من المخاوف، ويزيد من الهرع، والفزع، أريدك أن تذهب إلى المسجد، وتصلي الصلوات، وصلّ الجمعة به، وكن في الصف الأول، ولن يحدث لك سوء أو مكروه -بإذن الله-.

هذه الظواهر -مثل تسارع ضربات القلب والشعور بالخوف الشديد- هي تجارب شخصية، يحسُّ بها الإنسان في ذاته، ولا تنعكس على الآخرين، ولا يشعرون بها، هذه حقيقة مهمّة جدًّا، وبجانب ذلك: مارس الرياضة، مثل رياضة المشي على وجه الخصوص؛ فهي مفيدة جدًّا، وتجنّب تناول كميات كبيرة من الكافيين، وهو موجود في الشاي والقهوة، وبعض الأجبان، وبعض الحلويات كالشكولاتة مثلًا.

أيضًا من المهم جدًّا -أخي الكريم- أن تتجنّب السهر، والإجهاد النفسي والجسدي، والتزم النوم المبكّر؛ ففيه خير كثير جدًّا بالنسبة لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً