الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أوفق في حياتي وأخشى أن الذنوب هي السبب، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

حياتي مدمرة، في المدرسة الأولاد ينظرون إلي نظرات شفقة، نحن لسنا فقراء، و-الحمد لله- نحن طبقة متوسطة، لكن ليس لدينا الرفاهية التي يمتلكها الأولاد، أنا في نفسي قد سامحتهم على كل ما فعلوه بي، لشيء واحد: لكي يرحمني الله ويوفقني.

في السنة الماضية وفي العطلة الصيفية، كنت أريد أن أشتغل لأشتري ما أريد، ولم يوفقني الله، قلت: لعله خير، يمكن أن الله صرف عني شراً، لعله يريد أن يدخر لي حسنات، أو لعلها بسبب ذنوب الخلوات، التي لم أتب منها تلك الفترة.

في العطلة الصيفية هذه، بدأت أتوب من ذنوب الخلوات، وأول الإجازة الصيفية لم أحرز تقدماً، لكن بعد منتصفها صرت لا أفعلها (تقريباً لمدة ٣ أسابيع)، والآن أحاول تركها.

منذ بداية الإجازة الصيفية وأنا أسعى لكي أعمل، ولم أكن أذهب بنفسي، كنت أسأل قرابتي لأني صغير، ولم أجد فرصة للعمل بالمحلات، ولم يوفقني الله.

الآن تبدلت شخصيتي المرحة، المحبة للكل، الواثقة بالله، والمؤمنة بأن الله يحبها، رغم ذنوبها، لقد تحطمت، وصرت أكره الكل، وندمت على مسامحة الآخرين! ولأني لا أقدر على الرجوع في أمر المسامحة، صرت أفتعل المشاكل في البيت، وكرهت كل شيء.

أدعو كثيراً، وأصلي الليل ٨ ركعات والوتر، وبدأت تصيبني الأمراض، لأني أسهر لأقوم الليل، وأصلي الفجر في وقته، أول بدايتي بصلاة قيام الليل، كنت واثقاً بالله، والآن أشعر أن صلاتي ودعائي لم يكونا إلا بداية لخسارة شخصيتي الجيدة، وتحولي إلى هذه الشخصية التي أنا عليها الآن، في المرة الأولى قلت: ليس هنالك مشكلة، وأما هذه المرة تعبت بالتظاهر بأنه لم يحصل شيء.

إن كانت لديكم أي نصائح لتحسين وضعي قولوا لي، وأرجوكم أن تردوا علي بإجابة مباشرة، وشكراً جزيلاً، وأفيدوني بالكثير من الأشياء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك أخي العزيز في استشارات إسلام ويب.

من الرائع حقاً أن تكون لك نفس محبة للخير، مقبلة عليه، متعلقة بالصلاة وقيام الليل، وأنت لا تزال في هذا السن المبكر، فروحك الجميلة المرحة هي روح ذلك الطفل النقي، الذي لم يتلوث بالحقد والغل والحسد، ولم يختلط بالناس ليكابد مشاق الحياة، فما تزال طاهر القلب، تنظر لكل من حولك بعين الحب والرضا، وهذا جعلك تصطدم بالكثير من التجارب الصعبة، التي ينبغي أن تكون سبباً في بناء نفسك، وزيادة ثقتك بربك، لا العكس.

يؤسفنا أن نراك أمام أول اختبار تُظهر الضعف والعجز، وتتغير تماماً، وهذا دليل أن ممارساتك للكثير من العبادات كان ينقصه الإخلاص والصدق مع الله، وإنما كنت تؤدي هذه العبادات لتحقق شيئاً، أو لتحقق أشياء في نفسك من الدنيا، فلما لم تتحقق جاءك ذلك الشعور بأن هذه العبادات لا فائدة منها.

هذا خلل كبير في فهم دور العبادة في تحقيق البناء الإيماني وزيادة الثقة بالله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بأداء العبادات مخلصاً لله تعالى المحبة، راجياً ثوابه، خائفاً من عقابه، لا لمنفعة أو شيء من الدنيا.

إن مجرد العبادات فقط لا يحقق لك الحصول على عمل أو كسب للعيش، فلا بد مع أداء العبادات والإخلاص فيها أن تجتهد بالسعي في أسباب الرزق المادية، وفهم أسباب الإخفاق، ولا بد من تخطط للنجاح، وأن تعرف أبواب الرزق ومظانه، وهذا من حسن التوكل على الله.

أخي العزيز، يجب أن تدرك أن الحياة ليست دائماً كما نحب ونتمنى، فهناك ابتلاءات مختلفة، وهناك أحداث يتعلم منها الإنسان الكثير من التجارب والخبرات، والسعيد هو من يتعلم من تجارب الآخرين ويتعظ بها، قال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).

الاختبار والابتلاء ليس دليلًا على وجود الشر فيك، بل قد يكونا لرفع الدرجات وتمحيص السيئات، وقد يكونا لتحضيرك لتحقيق الأشياء بجدارة، فتقطف ثمرتها حين تكون مستعداً لها، فقد يؤخر الله إجابة الدعاء وقضاء الحوائج حتى تتهيأ تماماً، وهذا من لطف الله تعالى ورحمته، فهو صاحب العلم المطلق المحيط، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

كما أن المؤمن مأجور عند الصبر على الابتلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري، ولا ينبغي التسخط على قضاء الله وقدره، بل يجب الاستسلام لأمره والرضا به.

كما يؤسفنا أن نراك مضطراً للعمل في هذا السن، ولكن قد تدفعك الظروف لذلك، هذا سيسهم في تنمية الشخص والقوة والشعور بالمسؤولية لديك، وهو كافٍ ليمنحك الثقة بنفسك، وأن لا تلتفت لما يقوله الناس عنك، ما دمت ترضي الله وتجتهد في كسب لقمة العيش بطرق حلال، فأنت خير ممن هم عالة على غيرهم.

يجب أن تعلم أن علاقة المؤمن بالله تعالى ليست علاقة مقايضة "تُحسن إن أُعطيت وتسخط إن مُنعت" فالمؤمن قلبه معلق بالله في السرّاء والضرّاء، ويعلم أن الابتلاء مهم لرفع الدرجات واختبار الصبر وقوة الإيمان.

بادر بالتوبة النصوح من ذنوب الخلوات، فهي التي تسبب لك الضيق والقلق، ومهما وقعت في هذه الذنوب، بادر بالتوبة، ولا تتأخر أو تقنط من رحمة الله.

اجعل جزءاً كبيراً من وقتك لتنمية مهاراتك في مجالات مختلفة، خصوصاً في هذا السن المبكر، فلا بد أن تنمي مهاراتك وتتعلم الكثير حتى لا تصطدم بواقع الحياة الصعب بعد ذلك.

أكثر من الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى أن يوفقك للخير، ويعينك على حسن الإيمان والثقة بالله، وأن يوفقك في أمور الدين والدنيا، ويذهب عنك نزغات الشيطان ووساوسه.

وفقك الله ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً