الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي رهاب من الزواج وأخشى ألا يتقبلني الخاطب، فماذا أفعل؟

السؤال

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شخص أرى أن حالتي صعبة، ولكن ليست صعبة على الله، فأنا في البداية مريضة اكتئاب ورهاب، وآخذ دواء، ومع ذلك لدي رهاب شديد من الزواج، يجعلني أرفض مقابلة أي شخص يتقدم لي، وأكون مرتاحة عندما أرفض مقابلته، فالخوف يجعلني أشعر بضربات قلب سريعة ورعشة، كذلك وضعي الاجتماعي أو الأسري صعب، فأبي توفاه الله، وكان مصاباً بمرض الفصام، ولدي اثنان من الإخوة كذلك، مصابون بهذا المرض، وأخشى على نفسي أن أصاب بهذا المرض، وكذلك لا أعرف هل سيتقبلني الشخص الذي يتقدم لي -مع مرضي- وهو الاكتئاب والخوف، أم لا؟!

أنا لم أكن أحب الزواج، ولكن بدأت بحبه والتفكير فيه؛ لأني شعرت بضعف وحاجة لذلك، لكن عندي رهاب شديد تجاه الزواج، وأقول لنفسي: إذا استطعت مقابلة الشخص الذي يتقدم لي وقلت له عن مرضي، هل سيتقبلني؟ وهل إذا عرف من تلقاء نفسه بعد ذلك أن لدي إخوة بهم مرض، هل سيتقبلني ويتفهمني؟ أنا أقول لنفسي: إنه إنسان ولن يتحمل ذلك، وسيخاف ويهرب.

كذلك مرضي وهو الاكتئاب والخوف، أريد من يطمئنني ويحيطني بالمحبة والاهتمام، اللذان أجدهما من إخوتي والحمد لله، وأقول: حتى لو نجحت وتزوجت، في البداية سأعيش وحدي، وأنا لم أتحمل مسؤولية من قبل، فلدي ضعف في اتخاذ القرارات، وأريد من هو أكبر مني أن يساعدني في اتخاذ القرارات، لأني أصغر إخوتي، وأنا من قبل تهربت من مسؤولية أن أكون مُعلمة، فأخشى إن تزوجت أن أكتئب وأتهرب من المسؤولية، كذلك دي تعلق شديد بإخوتي، وعانيت بعد وفاة أمي وأفتقدها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Dina حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله تعالى لك العافية.

أيتها الفاضلة الكريمة: الذي أراه أن لديك ما يسمى بالقلق التوقعي، ذي الطابع الوسواسي، فأنت مهمومة جدًا حول المستقبل، ولديك بعض -لا أقول التأويلات الخاطئة-، لكن أفكار في مجملها افتراضات وسواسية، طبعًا لا أتجاهل أبدًا وضعك الأسري، وأنه يوجد لديكم تاريخ مرضي في الأسرة، هذا لا أتجاهله أبدًا.

طبعًا التأثير أو النقل الجيني عمليًا موجود، لكن هنالك وسائل كثيرة جدًا لإبطال هذا النقل الجيني، منها أن تكون حياة الإنسان -أي بيئته ومحيطه- مستقرة، وأنت -إن شاء الله تعالى- لديك القدرة من أجل الوصول إلى هذا الأمر، أريدك أن تكوني في حالة مزاج إيجابي، أن تكوني متفائلة، أن تعيشي على الأمل والرجاء، لا تنزعجي حول المستقبل أبدًا، بل عيشي بقوة الآن، بأن تجعلي لنفسك برامج يومية، وتديري من خلالها وقتك، وطبعًا تجنب السهر هو النقطة الجوهرية والمركزية لحسن إدارة الوقت، والنوم الليلي المبكر قطعًا يؤدي إلى فوائد عظيمة جدًا على جسد الإنسان، وكذلك أفكاره ونفسيته وعواطفه ووجدانه.

هنالك أشياء مهمة جدًا يجب أن تمارسيها مثل الرياضة، أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة سوف تخلصك من الاكتئاب والخوف والرهبة، وكذلك من القلق التوقعي، فالرياضة تقوي النفوس قبل أن تقوي الأجسام، يجب أن تضعي لنفسك التزامًا تامًا حول أن تلعبي دوراً إيجابيًا في الأسرة، وأن تهتمي بالواجب الاجتماعي، هذه كلها طرق تجعلك تحسين بقيمتك الذاتية، وفي ذات الوقت تتخلصين تمامًا من الشعور بالضعف وهموم المستقبل.

الزواج أيتها الفاضلة الكريمة، يجب أن يكون على رأس أولوياتك، قال تعالى (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فالزواج فيه الاستقرار، فيه السكينة، فيه المودة، فيه الرحمة، وأنا متأكد أن من يتقدم لك يعرف موضوع الحالات النفسية الموجودة في أسرتك، يكون قد سأل واستوثق واستفسر من أهل الاختصاص، قبل أن يحضر لك ويتقدم لك، فأنت هنا ليس عليك مسؤولية في هذا السياق، ولا تحسي بالذنب أبدًا، وأنا أقول لك: إن التأثير الجيني ليس كاملًا، الاستقرار البيئي، والاستقرار الاجتماعي، وأن يكون الإنسان إيجابيًا، وأن يحرص على الصلاة في وقتها، وأن يكون دائمًا في جانب التفاؤل هذه تحمي كثيرًا من الحالات النفسية.

فأرجو أن تسألي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، والأمر يجب أن لا يكون أكثر تعقيدًا من ذلك، التعلق بإخوتك فيه رحمة شديدة، لكن -إن شاء الله تعالى- بعد الزواج، واقع الزواج سوف يلزمك بالاهتمام بزوجك وحياتك الزوجية، وكذلك إخوتك في ذات الوقت.

المعاناة بعد وفاة الأم هذا أمر طبيعي جدًا، فقد الأم ليس بالأمر السهل، ونحن لا نتجاهل ذلك أبدًا، لكن -أيتها الفاضلة الكريمة- الله تعالى أيضًا وهبنا المهارات والدفاعات النفسية الداخلية القوية، فيجب أن تعرفي أنك -والحمد لله- قادرة الآن على أن تعتمدي على نفسك، وتسألي الله تعالى الرحمة والمغفرة لوالدتك، وأن تكوني شخصًا إيجابيًا ومفيدًا لنفسك ولغيرك.

أنا أرى أنه لا بأس أبدًا من تناول عقار بسيط يساعد في علاج القلق والمخاوف والوساوس، ويحسن المزاج، الدواء يعرف باسم سيبرالكس، هذا هو اسمه التجاري، ويسمى علميًا استالبرام، وسوف تجدينه أيضًا في مصر تحت مسميات تجارية أخرى، أنت تحتاجين للجرعة الصغيرة جدًا، وهي أن تتناولي نصف الحبة التي تحتوي على 10 مليجرام، أي تتناولي 5 مليجرام كجرعة بداية، استمري عليها لمدة 10 أيام، بعد ذلك اجعليها حبة واحدة يوميًا، أي 10 مليجرام لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى 5 مليجرام يوميًا لمدة شهر، ثم 5 مليجرام يومًا بعد يوم لمدة 10 أيام، ثم توقفي عن تناول الدواء، الدواء فاعل وممتاز وغير إدماني، ولا يؤثر أبدًا على الهرمونات النسائية.

الجرعة التي وصفناها لك هي جرعة بسيطة وصغيرة، وسليمة، وكذلك مدة العلاج قصيرة، طبعًا الالتزام بتناول الدواء، مع تطبيق الإرشادات السلوكية السابقة، قطعًا سوف يطور حياتك النفسية كثيرًا.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.. وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً