الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أحرر نفسي من الخوف؟

السؤال

السلام عليكم

كم أحب هذا الموقع والعاملين عليه -جزاكم الله خيرا-.

أنا ملتزم -ولله الحمد-، وأحاول تقوية علاقتي بالله، وأحافظ على الصلوات والسنن، لكنها كلها بلا خشوع، ومحافظ على الأذكار (منذ شهرين فقط) ولكني أعاني من الخوف بصوره التالية:

1- من المستقبل والمجهول.
2- على أسرتي، وأخاف من فقد الأحبة.
3- من اقتراب الأجل (إحساس).
4- الأمراض ووباء كورونا.

أيضا أشعر بالتالي:
1- التوتر سريعا وربما العصبية، أو الهلع.
2- التشاؤم الشديد، وحينما أقابل مشكلة دائما أفكر بأسوأ الاحتمالات.
3- الضعف وقلة الحيلة.

جدير بالذكر أن صديقي توفي بالسرطان، وترك طفلا وأمه، وكان أصغر مني سنا، وهذا يحزنني كثيرا، ومنذ خمس سنوات (نفس تاريخ شروعي بالزواج) أصاب بالأمراض كثيرا، فأنا أعاني من سمنة، وآلام في المعدة، وغضاريف في العمود الفقري والركبة، بعض الناس يقولون لي: هذا أثر عين أو ما شابه بعد الزواج (وخصوصا أنني لم أكن أقرأ الأذكار) فأنا لدي طموحات كثيرة، أريد أن أكون نافعا لديني وأمتي، ولكنني أصاب بالأمراض كثيرا.

أعاني من مشاكل في العمل، ودائما أشعر بعدم الأمان الوظيفي، والخوف من المجهول -ربما لأن دراستي ليس لها مجال عمل محدد، أو حكومي، ولكنه حر- وأصبح لدي مسئوليات، أشعر كثيرا بالضعف وقلة الحيلة، وحاليا أنا بلا عمل -لوجود مشاكل في السوق- لكن لدي بعض المال أنفق منه -بفضل الله- لكنني لا أعلم هل سأغير طبيعة عملي أم لا؟

لم أتناول أي عقار مضاد للقلق، أخاف التعود عليها، وأخاف من مضاعفاتها، وخاصة في مسألة فتح الشهية، أرجو النصح، وترشيح دواء مناسب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك التوفيق والسداد -أخي الكريم-.

بداية نتكلم عن أمر الخشوع في الصلاة، مع أن هذا ليس من تخصصي لكن نتحدث بما تعلَّمناه من مشايخنا الكرام، ونتكلم في ما يهمّ كل مسلم، وأنا منهم -الحمد لله-.

الحمد لله أنك محافظ على صلاتك ومحافظ على السُّنن، وما تشعر به هو من مكايد الشيطان ووساوسه التي يلقيها في قلبك، لكي يحرمك من لذة الخشوع ومناجاة الله تعالى أثناء تلك العبادة العظيمة، وقد ورد أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً)، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.

هذه قصة أحد السلف (حاتم الأصم) من خيار السلف، وكان يُسمَّى لقمان هذه الأمة، كان يخشع في صلاته، سُئل عن الخشوع: كيف تخشع في صلاتك؟ فأجاب: إذا أردتُّ أن أصلِّي وسمعت نداء ربي، قمت إلى وضوئي، ثم أقبلت على مصلاي -يعني المسجد- فأكبِّر في تحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، وأتصور أن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن ملك الموت خلف ظهري، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الكعبة أمامي، ثم لا أدري بعد ذلك أقبلت صلاتي، أم ردت عليَّ.

انظر كيفية صلاته، يقول: أتهيأ لصلاتي، وأتوضأ، وآتي إلى مصلاي، ثم أقف بين يدي ربي فأتصور أن الكعبة أمامي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن شمالي، وأن ملك الموت خلف ظهري -فقد تكون آخر صلاة أصليها- وأن الصراط تحت قدمي، ثم أكبر في تحقيق، وأقرأ في ترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، ثم أسلم في رجاء -يعني: رجاء أن الله -عز وجل- يتقبل صلاتي- ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا، أم ردت عليَّ.

هذا هو الخشوع، أن تستحضر عظمة الله، وتظن وأنت في الصلاة أنها آخر صلاة تؤديها، وهذا نوع من الاستحضار الفكري الجميل الذي يُحسِّنُ حقيقة من الخشوع في الصلاة، حقيقة هذا الأمر مزعج، وكلنا يقع له ذلك، لكن يجب أن نجاهد أنفسنا، ونؤمن تمامًا أن الله لطيف بعباده، ونسأل الله أن يعيننا على ذكره وشُكره وحسن عبادته، وعليك أن تجالس العلماء وتتحدث معهم في هذا الخصوص، حتى تُقلِّل من وساوس الشيطان وتدخُّلاته.

إذًا أنت بفضلٍ من الله تعالى ما دمت حريصًا على واجباتك الدينية فأنت في مهمة كبيرة في حياتك، -والحمد لله- أنت مُنجزٌ لها، ونسأل الله أن يزيدك في هذا.

أمَّا عن الأعراض التي ذكرتها فأنا أبشرك أنها إن شاء الله أعراض بسيطة، وهي تدلُّ على وجود شيء من القلق الاكتئابي البسيط.

هذه الأعراض التي ذكرتها هي أعراض مثالية جدًّا للقلق الاكتئابي البسيط، مع شيء من المخاوف، وهذا مرتبط بوفاة صديقك هذا الذي نسأل الله تعالى له الرحمة، فادعُ له، ولا تنقطع من طفله وأُمِّه، وهذا فيه خيرٌ كثيرٌ لك -بإذن الله تعالى-.

أنت محتاج أن تجعل لنفسك برنامجا رياضيا، هذه حقيقة أقولها لك ومهمة جدًّا، ومهما كانت لديك مشاكل في العمود الفقري ومشاكل في الركبة فإن الرياضة مهمة جدًّا، وسوف تجد الرياضة التي تناسبك. الرياضة تقوي النفوس كما تقوّي الأجسام، وسوف تُساعدك نفسيًّا وحتى جسديًّا فيما يتعلق بتخفيف الوزن.

أيضًا يجب أن تكون لك أهداف تأمل وتسعى في تحقيقها، يجب أن تكون لك أهداف آنية، وأهداف متوسطة المدى، وأهداف وبعيدة المدى، وأنا أحسبُ أن لديك أهداف، وكلنا لدينا أهداف، لكن وددتُّ أن أذكّرك بذلك.

سيكون من المهم جدًّا أن تحسن أن تُدير الوقت، نعم أنت ذكرت أن العمل الآن أصبح ليس على ما يُرام، وذلك لوجود المشاكل في السوق، وربما أيضًا هذه الجائحة (الكورونا) أثّرت على كثير من الناس، لكن -إن شاء الله تعالى- الأمور تسير نحو الأحسن، ومهما كان الأمر يجب أن تُحسن إدارة وقتك، تنام النوم الليلي المبكّر، تتجنب النوم النهاري، -وكما ذكرنا-: الرياضة مهمّة، تكونَ متفائلاً، تتواصلَ أُسريًّا، -والحمد لله- ما دامت نية الزواج موجودة فنسأل الله تعالى أن ييسر لك هذا.

وموضوع العين وخلافه؛ هذا حقيقة فيه الكثير من التوهمات، وإن كان العين والسحر والحسد أمور موجودة، نحن كمسلمين نؤمن بها ونؤمن بتأثيرها على حياة الإنسان، لكنها لا تؤثر بنفسها، ولا تضرُّ أحدًا إلَّا بإذن الله، قال تعالى: {وليس بضارهم شيئًا إلَّا بإذن الله} هذا في أمر الشيطان، وقال تعالى: {وما هم بضارين به من أحدٍ إلَّا بإذن الله} هذا في أمر الشياطين وأعوانهم من السحرة والمشعوذين والدجالين الذين يقومون بهذه الأمور المحرمة، لكن المسلم لديه آلياته التي تحفظه من هذه الأشياء، والإنسان مكرَّمٌ، وفي الوقت ذاته علينا أن نأخذ بالأسباب، ونحصن أنفسنا من هذه الأمور بما شرعه الله لنا من علاج، بأن نحرص على الأذكار -خاصة أذكار الصباح والمساء- وذكر الله على الدوام، ونقرأ على أنفسنا الرقية الشرعية، وأنصحك أن تُحسن التواصل الاجتماعي، وهذا يفيدك كثيرًا، فلا تتخلف عن الواجبات الاجتماعية.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أعتقد أنك محتاج للعلاج الدوائي، وأنا أبشرك أن عقار (بروزاك) والذي يُسمَّى (فلوكستين) دواء سليم، مُحسِّنٌ للمزاج، ومُزيلٌ للقلق، وهو لا يزيد الوزن أبدًا، تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة -أي عشرين مليجرامًا- يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة أربعة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناوله، دواء نافع ومفيد وسليم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً