الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائرة بين الرجوع لزوجي مع سوء المعاملة أو الطلاق!

السؤال

السلام عليكم

أنا شابة، أكملت دراستي؛ وجاء لخطبتي رجل يبدو عليه التدين، لم نسأل عنه جيداً، في الحقيقة عندما رأيته لم يعجبني، ولكن بضغط من أمي، وتذكيري بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) قبلت، وتم الزواج واشترط علي ألا أعمل.

سكنا مع أهله، وبعد شهرين بدأت المشاكل من أمه؛ مرة تعاتبني على شغل المنزل، ومرة ترفع صوتها عاليًا، ومرة تدعي المرض بسبب هذه المشاكل فيأخذوها إلى المستشفى؛ المهم تحولت المعيشة معهم إلى جحيم.

وأيضاً تشاجرت مع كنتها الأخرى، فطلبت الكنة بيتًا انفراديًا فرضخوا للأمر؛ عندها طلبت من زوجي الصعود إلى الطابق العلوي فلم يوافق، فأجبرته فوافق على طلبي ففرحت بذلك؛ لأنني سأتخلص من المشاكل! ولكن بدأت المشاكل من جديد، فأصبح زوجي لا ينفق إلا بالقليل، وأمه تصعد إلينا وتسبنا ومع ذلك صبرت.

لشدة تعلقه بأمه يحسب لها ألف حساب؛ لأنها تسكن معنا في الطابق الأرضي، فأصبح يسبني ويسب أهلي؛ ويهددني بالطلاق، وأن مصيرنا الفراق، وفي بعض الأوقات لا يكلمني لأتفه الأسباب، ويجبرني بزيارة أمه، مع أنها تسبني وتطردني من بيتها، فهو لا يريدني أن أذهب لزيارة أهلي، وإذا زرتهم تكون الزيارة بإلحاح مني؛ وذات مرة طلقني وأنا في بيت أهلي، ولكنني عدت إليه!

الآن رزقت ببنت، ولا زالت المشاكل موجودة، فأنا معتادة على زيارة أهلي كل شهر، فطلبت منه أن أبيت ثلاثة أيام فلم يوافق، وقال: تبيتين يومًا أو لا ترجعين؟ كأنه يسألني، فغضبت كثيرًا وخرج، وعندما عاد قلت أبيت ثلاثة أو لا أرجع، فأخذ ابنتي وذهب بها إلى أمه، فجاءت تسبني، ومن شدة الغضب سببتها، فأخبرت ابنها فضربني فلم أستطع التحمل؛ وخرجت من المنزل واتصلت بأبي ليأخذني، ثم أرسلت خالي ليأتيني بالطفلة.

وسعى للصلح، فعاد بي إلى بيت زوجي، ولكن زوجي قال لا ترجعها فعدت إلى أهلي؛ مضى شهران ولم يسأل عني، وأرسل أحدًا من أهله واشترط عليّ كي أعود أن لا يزورني أهلي، وزيارتي لهم تتوقف على إرادته، فاشترطت بالمقابل بيتًا بعيدًا عن أهله، فأبى وأراد الطلاق.

أنا الآن في حيرة، هل أرجع وأعيش ذليلة أم أُطَلَّق؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك -إسلام ويب-، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولًا: لماذا يكون الحل هو الطلاق أو عيشة الذل والقهر؟ ألا يفترض أن يكون هناك حل وسط بين الحلين، حل يحفظ كرامتك، ويجمع بينك وبين زوجك وولدك، هذا ما ينبغي أن نفكر فيه، وأن نجتهد في البحث عن حل مناسب له.

ثانيًا: لا شك أننا نرفض كل سلوك غير سوي، فالسب والإيذاء والضرب أمر غير مبرر ولا نقبله، لكنّا هنا نحدثك أنت -أختنا الكريمة- ولذلك سنذكر ما نراه موقفًا سلبيًا منك، وهو طريقة معاملتك لأم زوجك، وعدم التوافق بينك وبينها، وهو أمر يعود في الأساس إلى طريقة معاملتك لها، فحديثك عنها -أختنا- هو حديث امرأة متحفزة لرد العدوان، ومقابلة الإساءة بمثلها، وقد ظهر ذلك حين رددت عليها السباب، ونحن هنا ندعوك إلى تغيير تلك المعاملة لأمرين:

الأول: أنها في مقام الوالدة لك، وهي أم زوجك الذي جعله الإسلام أحد أبوابك للجنة، وأنت إذا فعلت ذلك إنما تأخذين الأجر من الله -عز وجل-.

الثاني: أنك متى ربحت والدته فإن نصف المشاكل بينكما إن لم يكن أكثر؛ يكون في حكم النسيان.

ثالثًا: أنت الآن زوجة وأم لولد، والملاحظ على زوجك أنه غضوب، وهو محب لأهله يريد برهم، وهذه النوعية متى أحسنت التعامل معها ظفرت بها، وبما تريدين وزيادة.

رابعًا: العصبيّة -أختنا الفاضلة- صفة سلبية تأتي إلى الشخص وتكون ضعيفة في مبتداها، ولذلك يسهل عليه أن يصرفها في البداية بالاستعاذة، أو الوضوء، أو الاستغفار، أو ترك المكان، لكنها إذا تشبعت منه ملكته، بل وقادته إلى ما لا يحب ولا يرضى، وآفتها أنها إذا امتلأ القلب بها ضخمت صاحبها بالحق أو بالباطل وأرته الأمور على غير حقيقتها، وفي الغالب يكون قراره معها مؤلمًا ومحزنًا معًا.

خامسًا: من أجمل ما قاله المختصون في الزوج العصبي: أنه طفل كبير، وهذا يعني أن التعامل معه ينبغي أن يكون برفق وهدوء، وكما أن الطفل يحتاج إلى من يهتم به كذلك الرجل العصبي يحتاج كذلك إلى من يهتم به.

سادسًا: عند الغضب يجب أن يكون الهدوء هو أول ما تصرفين إليه بصرك، كوني هادئة، ومتماسكة، وقوية؛ واحذري التوتر، أو كثرة الكلام، أو الردات الانفعالية، أو كثرة الحركة، كل هذه الأمور تزيد أحيانًا من حدة غضبه وعصبيته، فاجتهدي أن تجتنبي أي توتر أو تصعيد.

سابعًا: لا تحدقي النظر إليه ساعة الغضب ولا تتجاهليه، فقط انظري إليه باهتمام، لكن دون حدة.

ثامنًا: أظهري له أنك مهتمة بحديثه؛ لأن أشد ما يجعل الغضب يفور عند الرجال الذين دخلوا في دوامة العصبية؛ اعتقادهم أن الزوجة لا تهتم، ولا تقدر تعبهم وعناءهم.

تاسعًا: هناك بعض الألفاظ التي تزيد حدة الغضب عند الرجال تجنبيها بالكلية، كما عليك أن تتجنبي إثارته بأن تذكري له أن الموضوع الذي أغضبه تافه، أو لا يستحق هذا الغضب، ومثل تلك الألفاظ -لماذا أنت غاضب؟! الأمر لا يستحق، وغضبك غير مبرر، أو لا داعي لكل هذا!-

مثل هذه العبارات تشعره أنك لا تقدرين غضبه، أو لا تفهمينه، أو تتعالين عليه، أو تدعي العقل والحكمة، وهذا سيجعل غضبه يزداد حدة، وربما يلجأ إلى إدخال مواضيع أخرى في بعض، بهدف تخطيئك وإرضاء نفسه بأنه على الحق، وأنك المرأة المخطئة التي لا تقدر تعب زوجها، هناك عبارات تؤدي المعنى السابق ولا تزيده غضبا من مثل: كل ما تقوله أنا متفهمة له تماما، وأدرك أن الأمر يستحق ذلك، لكنني لم أكن أتوقع أن يصل إلى هذا الحد، أو يكون له هذا المردود السلبي.

عاشرًا: بالرغم مما سبق من حديثنا إلا أن هذا لا يعني أن تتنازلي له بسرعة حتى تسكتيه، بل أجلي النقاش في الأمر الذي علمت خطأه فيه حتى يهدأ، ثم أخبريه بطريقة طيبة أن الأمر سيكون بخير، ودعنا نتفاهم فيه غدًا، أو في المساء أو الصباح، من المهم أن تحددي موعدًا، وأن يكون الموعد وسطًا بين القريب والبعيد، حتى يهدأ الرجل وينسى الأمر.

الحادي عشر: بعد انتهاء حدة الغضب ينبغي أن تشعريه أنك متألمة من حديثه، وأنك حزينة لما قاله، ولكن اجعلي هذا الحزن والألم صامتًا ناطقًا، بمعنى يظهر عليك ولا ينطق به لسانك، من دون تقصير في حقوقه أو معاقبة له.

الثاني عشر: نحن نوصيك أن ترجعي إليه، ولكن بدخول أطراف للصلح من أهلك أنت؛ حتى يكون لهم يد على زوجك، وحتى يكون الرجوع محفوظ الكرامة، فلا بأس أن يتواصل معه الوسيط -الأخ، أو العم، أو الخال- وأن يتفقوا على لقاء، وأن يستمع منه، وأن يتجاوب معه، وأن يحرص على إعطائه رسالة إيجابية؛ بحيث يعمق التواصل معه، ويكون هناك وسيط مناسب للحديث عند نشوب أي مشاكل.

الثالث عشر: من المفيد أن تتم عملية المراجعة بصلح شامل مع الوالدة، وأن تجتهدي في الحفاظ على الحد الأدنى على الأقل من حسن المعاملة؛ لأن هذا كفيل أن يخفف الضغط عليك.

كما نوصيك معه ومع أمه بالصبر؛ لأجل الله أولًا، وأنت مأجورة على ذلك، نسأل الله أن يهدي زوجك، وأن يصلح حاله، وأن يوفقكم لما يحب الله ويرضى، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً