ذكر تقسيم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحوال الناس في طلب العلم وتركه
176 - أنا محمد بن الحسين بن الأزرق المتوثي ، أنا نا أبو سهل : أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ، أبو بكر : موسى بن إسحاق الأنصاري .
وأنا أبو القاسم : عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن الحسين الحربي ، وأبو نعيم الحافظ ، قالا : نا حبيب بن الحسن بن داود القزاز ، نا نا موسى بن إسحاق ، أبو نعيم : ضرار بن صرد ، نا عاصم بن حميد الحناط ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمن بن جندب الفزاري ، عن كميل بن زياد النخعي ، قال : أخذ بيدي ، فأخرجني إلى ناحية الجبان ، فلما أصحر جلس ثم تنفس ، ثم قال : " يا علي بن أبي طالب كميل بن زياد ، احفظ ما أقول لك : وصنيعة المال تزول بزواله ، محبة العالم دين يدان بها ، تكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، العلماء باقون ، ما بقي [ ص: 183 ] الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن ها هنا - وأومأ بيده إلى صدره - علما ، لو أصبت له حملة ، بلى ! أصبه لقنا ، غير مأمون عليه ، يستعمل آلة الدين للدنيا ، يستظهر بنعم الله على عباده ، ويحججه على كتابه ، أو منقادا لأهل الحق ، لا بصيرة له في إحيائه ، يقتدح الشك في قلبه ، بأول عارض من شبهة ، لا ذا ، ولا ذاك ، أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوات ، أو فمغرى بجمع الأموال ، والادخار ، ليسا من دعاة الدين ، أقرب شبههما بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى ، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ، لكي لا تبطل حجج الله وبيناته ، أولئك الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا ، بهم يدفع الله عن حججه ، حتى يؤدوها إلى نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصاحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحمل الأعلى ، هاها شوقا إلى رؤيتهم ، وأستغفر الله لي ولك ، إذا شئت فقم " . القلوب أوعية خيرها أوعاها ، الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، العلم يزكوا على العمل ، والمال تنقصه النفقة ، العلم حاكم ، والمال محكوم عليه ،
[ ص: 184 ] هذا الحديث من أحسن الأحاديث معنى ، وأشرفها لفظا ، وتقسيم أمير المؤمنين الناس في أوله تقسيم في غاية الصحة ، ونهاية السداد ، لأن الإنسان لا يخلو من أحد الأقسام الثلاثة التي ذكرها ، مع كمال العقل وإزاحة العلل ، إما أن يكون عالما أو متعلما أو مغفلا للعلم وطلبه ، ليس بعالم ولا طالب له . علي بن أبي طالب
فالعالم الرباني : هو الذي لا زيادة على فضله لفاضل ، ولا منزلة فوق منزلته لمجتهد ، وقد دخل في الوصف له بأنه رباني ، وصفه بالصفات التي يقتضيها العلم لأهله ، ويمنع وصفه بما خالفها ، ومعنى الرباني في اللغة : الرفيع الدرجة في العلم ، العالي المنزلة فيه ، وعلى ذلك حملوا قول الله تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) ، وقوله تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) .