الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 405 ] وقوله - عز وجل -: فنادته الملائكة ؛ و " فناداه الملائكة " ؛ الوجهان جميعا جائزان؛ لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث؛ لأن معناها معنى جماعة؛ ويجوز أن يعبر عنها بلفظ التذكير؛ كما يقال: " جمع الملائكة " ؛ ويجوز أن تقول: " نادته الملائكة " ؛ وإنما ناداه جبرائيل وحده؛ لأن المعنى: أتاه النداء من هذا الجنس؛ كما نقول: " ركب فلان في السفن " ؛ وإنما ركب سفينة واحدة؛ تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس.

                                                                                                                                                                                                                                        ويجوز أن الله يبشرك ؛ و " إن الله يبشرك " ؛ بفتح " إن " ؛ وكسرها؛ فمن فتح فالمعنى: نادته بأن الله يبشرك؛ أي: نادته بالبشارة؛ ومن كسر أراد: قالت الملائكة: إن الله يبشرك؛ و " إن " ؛ بعد القول أبدا مكسورة.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي " يبشرك " ؛ ثلاث لغات: " إن الله يبشرك " ؛ بفتح الباء؛ وتشديد الشين؛ وهي قراءة كثيرة جدا؛ و " يبشرك " ؛ بإسكان الباء؛ وضم الشين؛ وقرأ حميد وحده: " يبشرك " ؛ بضم الياء؛ وإسكان الباء؛ وكسر الشين؛ فمعنى " يبشرك " ؛ و " يبشرك " : البشارة؛ ومعنى " يبشرك " : يسرك؛ ويفرحك؛ يقال: " بشرت الرجل؛ أبشره؛ وأبشره " ؛ إذا أفرحته؛ ويقال: " بشر الرجل يبشر " ؛ وأنشد الأخفش؛ والكسائي ؛ وجماعة من النحويين:


                                                                                                                                                                                                                                        وإذا لقيت الباهشين إلى الندا ... غبرا أكفهم بقاع ممحل [ ص: 406 ]     فأعنهم وابشر بما بشروا به
                                                                                                                                                                                                                                        ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل



                                                                                                                                                                                                                                        فهذا على " بشر؛ يبشر " ؛ إذا فرح؛ وأصل هذا كله من أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور؛ ومن هذا قولهم: " فلان يلقاني ببشر " ؛ أي: بوجه منبسط.

                                                                                                                                                                                                                                        و " يحيى " ؛ اسم؛ سماه الله (تعالى)؛ تولى هو - - عز وجل - ذلك؛ ولم يسم أحد قبل " يحيى " ؛ ب " يحيى " ؛ و " يحيى " ؛ لا ينصرف عربيا كان أو أعجميا؛ لأنه إن كان أعجميا فقد اجتمع فيه العجمة؛ والتعريف؛ ولو كان عربيا لم ينصرف لشبهه بالفعل؛ وأنه معرفة علم؛ ونصب " مصدقا " ؛ على الحال؛ ومعنى مصدقا بكلمة من الله أي: يصدق بأمر عيسى ؛ لأن يحيى فرض عليه - وإن كان يحيى أسن من عيسى - اتباع عيسى؛ ومعنى " سيدا وحصورا " ؛ " السيد " : الذي يفوق في الخير قومه؛ ومعنى " حصورا " ؛ أي: لا يأتي النساء؛ وإنما قيل للذي لا يأتي النساء " حصور " ؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال؛ كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام: " قد حصر في منطقه " ؛ والحصور: الذي لا ينفق على الندامى؛ وهو ممن يفضلون عليه؛ قال الشاعر: [ ص: 407 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وشارب مربح بالكأس نادمني ...     لا بالحصور ولا فيها بسوار



                                                                                                                                                                                                                                        ويروى: " ولا فيها بسآر " ؛ أي: نادمني وهو كريم منفق على الندامى؛ والسوار: المعربد؛ يساور نديمه؛ أي: يثب عليه؛ والسآر: الذي يفضل في إنائه إذا شرب؛ والحصور: الذي يكتم السر؛ أي: يحبس السر في نفسه؛ قال جرير:


                                                                                                                                                                                                                                        ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا ...     حصرا بسرك يا أميم ضنينا



                                                                                                                                                                                                                                        والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه؛ إنما سمي " حصيرا " ؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج؛ أي: حبس بعضه على بعض؛ ويقال للسجن: " الحصير " ؛ لأن الناس يحصرون فيه؛ ويقال: " حصرت الرجل " ؛ إذا حبسته؛ و " أحصره المرض " ؛ إذا منعه من السير؛ والحصير: الملك؛ وقول الله - جل وعلا -: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ؛ أي: حبسا؛ ويقال: " أصاب فلانا حصر " ؛ إذا احتبس عليه بطنه؛ ويقال في البول: " أصابه أسر " ؛ إذا احتبس عليه بوله؛ ومعنى من الصالحين الصالح: الذي يؤدي إلى الله ما عليه؛ ويؤدي إلى الناس حقوقهم. ؛

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية