الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال محيي السنة : الكتابة أن يقول لمملوكه كاتبتك على كذا ويسمي مالا معلوما يؤديه في نجمين أو أكثر ، ويبين عدد النجوم وما يؤدي في كل نجم ، ويقول إذا أديت ذلك المال فأنت حر ، أو نوى ذلك بقلبه ويقول العبد قبلت ، وفي هذا الضبط أبحاث .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قال الشافعي رحمه الله : إن لم يقل بلسانه أو لم ينو بقلبه إذا أديت ذلك المال فأنت حر لم يعتق ، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله لا حلاجة إلى ذلك ، حجة أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) خال عن هذا الشرط فوجب أن تصح الكتابة بدون هذا الشرط ، وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع ، حجة الشافعي رحمه الله : أن الكتابة ليست عقد معاوضة محضة ، لأن ما في يد العبد فهو ملك السيد والإنسان لا يمكنه بيع ملكه بملكه ، بل قوله كاتبتك كتابة في العتق فلا بد من لفظ العتق أو نيته .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : لا تجوز الكتابة الحالة عند الشافعي ، وتجوز عند أبي حنيفة ، وجه قول الشافعي رحمه الله أن العبد لا يتصور له ملك يؤديه في الحال ، وإذا عقد حالا توجهت المطالبة عليه في الحال ، فإذا عجز عن الأداء لم يحصل مقصود العقد ، كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند المحل لا يصح بخلاف ما لو أسلم إلى معسر فإنه يجوز ، لأنه حين العقد يتصور أن يكون له ملك في الباطن ، فالعجز لا يتحقق عن أدائه ، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) مطلق يتناول الكتابة الحالة والمؤجلة ، وأيضا لما كان مال الكتابة بدلا عن الرقبة كان بمنزلة أثمان السلع المبيعة فيجوز عاجلا وآجلا

                                                                                                                                                                                                                                            وأيضا أجمعوا على جواز العتق معلقا على مال حال فوجب أن تكون الكتابة مثله ، لأنه بدل عن العتق في الحالين إلا أن في أحدهما العتق معلق على شرط الأداء وفي الآخر معجل ، فوجب أن لا يختلف حكمهما .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثالث : قال الشافعي رحمه الله : لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين ، يروى ذلك عن علي وعثمان وابن عمر ، روي أن عثمان رضي الله عنه غضب على عبده ، فقال : لأضيقن الأمر عليك ، ولأكاتبنك على نجمين ، ولو جاز على أقل من ذلك لكاتبه على الأقل ، لأن التضييق فيه أشد ، وإنما شرطنا التنجيم لأنه عقد [ ص: 189 ] إرفاق ، ومن شرط الإرفاق التنجيم ليتيسر عليهم الأداء . وقال أبو حنيفة رحمه الله : تجوز الكتابة على نجم واحد ، لأن ظاهر قوله : ( فكاتبوهم ) ليس فيه تقييد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : تجوز كتابة المملوك عبدا كان أو أمة ، ويشترط عند الشافعي رحمه الله أن يكون عاقلا بالغا ، فإذا كان صبيا أو مجنونا لا تصح كتابته ، لأن الله تعالى قال : ( والذين يبتغون الكتاب ) ولا يتصور الابتغاء من الصبي والمجنون . وعند أبي حنيفة رحمه الله : تجوز كتابة الصبي ويقبل عنه المولى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : يشترط أن يكون المولى مكلفا مطلقا ، فإن كان صبيا أو مجنونا أو محجورا عليه بالسفه لا تصح كتابته كما لا يصح بيعه ، ولأن قوله : ( فكاتبوهم ) خطاب فلا يتناول غير العاقل ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تصح كتابة الصبي بإذن الولي .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية