الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة شرعت الفرنج في بناء عسقلان . والتقى بشهاب الدين الغوري عساكر الهند فهزمهم وقتل ملكهم في الوقعة .

                                                                                      وكبس الإنكيتر في الرمل عسكرا من المصريين ، وقفلا فاستباحهم فلله الأمر ، ثم انعقدت الهدنة ثلاث سنين وثمانية أشهر ، ودخل فيها السلطان وهو يعض يده حنقا ، ولكن كثرت عليه الفرنج ومل جنده وحلف على الصلح عدة من ملوك المسلمين مع السلطان ، وعدة من ملوك الفرنج . وفيها قتل صاحب الروم قلج أرسلان السلجوقي ، وقتل بكتمر صاحب خلاط على يد الإسماعيلية . وسار السلطان طغرل فبدع في الري وقتل بها خلقا من المسلمين وعاد إلى همذان فبطل نصفه . وفيها افتتح سلطان غزنة شهاب الدين في بلاد الهند . [ ص: 215 ] قال ابن الأثير : انقض كوكبان عظيمان اضطرما ، وسمع صوت هدة عظيمة وغلب ضوءهما ضوء القمر والنهار ، وذلك بعد طلوع الفجر .

                                                                                      وفيها توفي السلطان صلاح الدين ، وكانت دولته أزيد من عشرين .

                                                                                      وفي سنة تسعين : كانت الحرب تستعر بين شهاب الدين الغوري وبين سلطان الهند بنارس ; قال ابن الأثير : فالتقوا على نهر ماخون وكان مع الهندي سبعمائة فيل ، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس ، وفيهم عدة أمراء مسلمين ، فنصر شهاب الدين ، وكثر القتل في المشركين حتى جافت منهم الأرض ، وقتل بنارس وعرف بشد أسنانه بالذهب ، وغنم شهاب الدين تسعين فيلا فيها فيل أبيض ، ومن خزائن بنارس ألفا وأربعمائة حمل .

                                                                                      وبعث الناصر إلى خوارزم شاه ، ليحارب طغرل فبادر والتقاه فهزمه ، وقتله ونهب خزانته ، وهزم جيشه ، ونفذ الرأس إلى بغداد .

                                                                                      قال ابن الأثير وسير الناصر لخوارزم شاه نجدة وسير له مع وزيره المؤيد بن القصاب - خلع السلطنة ، فبعث إليه المؤيد بعد الوقعة : احضر إلي لتلبس الخلعة ، وترددت الرسل ، وقيل لخوارزم شاه إنها حيلة لتمسك ، فأقبل ليأخذ ابن القصاب ، ففر إلى جبل حماة .

                                                                                      [ ص: 216 ] وعزل من الأستاذ دارية ابن يونس وحبس إلى أن مات ، وولي مكانه التاج بن رزين . وقتل ألب غازي متولي الحلة .

                                                                                      وفيها افتتح ابن القصاب بلاد خوزستان .

                                                                                      ووقع الرضى عن بني الشيخ عبد القادر ، وسلم ابن الجوزي إلى أحدهم ، فذهب به إلى واسط فسجنه بها خمس سنين .

                                                                                      وتملك مصر بعد السلطان ابنه العزيز ، ودمشق ابنه الأفضل ، وحلب ابنه الظاهر ، والكرك وحران ومواضع أخوه العادل .

                                                                                      وفيها جاء العزيز يحاصر الأفضل بدمشق ، ثم جاء عمهما لصلح بينهما ، وكان داهية ، فلعب بهما إلى أن مات العزيز ، فتملك هو مصر ، وطرد عن دمشق الأفضل إلى سميساط فقنع بها ، ولولا أن الظاهر كان زوج بنته لأخذ منه حلب ، وكان الأفضل صاحب شرب وأغان ، ثم إنه أصبح يوما تائبا أراق الخمور ولبس الخشن وتعبد وصام وجالس الصلحاء ، ونسخ في مصحف ، ولكنه كان قليل السعادة .

                                                                                      وفي سنة إحدى وتسعين : استولى ابن القصاب على همذان فضربت الطبول ببغداد ، وعظم ابن القصاب ونفذ إليه خوارزم شاه يتوعده لما عاث بأطراف بلاده ، ثم مات ابن القصاب ، وأقبل خوارزم شاه فهزم جيش الخليفة ونبش الوزير موهما أنه قتل في المصاف .

                                                                                      [ ص: 217 ] وفيها جدد العزيز هدنة مع كندهري طاغية الفرنج فما لبث الكلب أن سقط من موضع بعكا فمات ، واختلت أحوال الفرنج قليلا ، وأقبل الأفضل على التعبد ودبر ملكه ابن الأثير ضياء الدين فاختلت به الأحوال .

                                                                                      وكانت بالأندلس الملحمة العظمى ، وقعة الزلاقة بين يعقوب وبين الفنش الذي استولى على بلاد الأندلس ، فأقبل اللعين في مائتي ألف ، وعرض يعقوب جنده فكانوا مائة ألف مرتزقة ، ومائة ألف مطوعة ، عدوا البحر إلى الأندلس فنزل النصر ونجا قليل من العدو ; قال أبو شامة : عدة القتلى مائة ألف وستة وأربعون ألفا ، وأسر ثلاثون ألفا ، وأخذ من خيامهم مائة ألف خيمة وخمسون ألفا ، ومن الخيل ثمانون ألف رأس ، ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير التي لأثقالهم أربع مائة ألف ، وبيع الأسير بدرهم ، والحصان بخمسة ، وقسم السلطان الغنيمة على الشريعة ، واستغنوا .

                                                                                      وكانت الملحمة يوم تاسع شعبان .

                                                                                      وفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة : فيها أطلق طاشتكين أمير الحاج وأعطي خوزستان .

                                                                                      وفيها حاصر العزيز دمشق ثالثا ، ومعه عمه فتملكها وذل الأفضل . وأقبل خوارزم شاه ليتملك بغداد .

                                                                                      [ ص: 218 ] وفيها التقى الفونش ، ويعقوب ثانيا ، فانكسر الفنش ، وساق يعقوب خلفه إلى طليطلة ونازلها وضربها بالمنجنيق ، ولم يبق إلا أخذها ، فخرج إليه أم الفنش وبناته يبكين فرق لهن ومن عليهن وهادن الفنش ; لأن ، ابن غانية غلب على أطراف المغرب فتفرغ يعقوب له .

                                                                                      وفيها كتب الفاضل إلى القاضي محيي الدين بن الزكي :

                                                                                      ومما جرى بأس من الله طرق ونحن نيام ، وظن أنه الساعة ، ولا يحسب المجلس أني أرسلت القلم محرفا والقول مجزفا ، فالأمر أعظم ; أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة ، وبروق خاطفة ، ورياح عاصفة ، قوي ألهوبها ، واشتد هبوبها ، وارتفعت لها صعقات ، ورجفت الجدر ، واصطفقت وتلاقت واعتنقت ، وثار عجاج ، فقيل : لعل هذه على هذه قد انطبقت ، ففر الخلق من دورهم يستغيثون ، قد انقطعت علقهم ، وعميت عن النجاة طرقهم ، فدامت إلى الثلث الأخير ، وتكسرت عدة مراكب . إلى أن قال : والخطب أشق ، وما قضيت بغير الحق .

                                                                                      وفيها أخذت الفرنج بيروت ، وهرب متوليها سامة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية