الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني: أن العلم بتفاصيل أمر الله ونهيه، والتصديق الجازم بذلك . ومما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة الله واطلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كل هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور، وإنما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا والشهوة وحدها، لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإن صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودة في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكن غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على [ ص: 125 ] التصور التام، ولهذا كان ذكر الله وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة" .

                                                                                                                                                                                              وفي الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن جده عمير بن حبيب وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقص قيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله ووحدناه وسبحناه، فتلك زيادته . وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه" .

                                                                                                                                                                                              وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "جددوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال: "قولوا: لا إله إلا الله" .

                                                                                                                                                                                              ولهذا كان الصحيح المشهور عن الإمام أحمد الذي عليه أكثر أصحابه وأكثر علماء السنة من جميع الطوائف; أن ما في القلب من التصديق والمعرفة يقبل الزيادة والنقصان، فالمؤمن يحتاج دائما كل وقت إلى تجديد إيمانه وتقوية يقينه، وطلب الزيادة في معارفه، والحذر من أسباب الشك والريب والشبهة، ومن هنا يعلم معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:

                                                                                                                                                                                              "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" فإنه لو كان مستحضرا في تلك الحال لاطلاع الله عليه ومقته له مع ما توعده الله به من العقاب المجمل والمفصل استحضارا تاما لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه .

                                                                                                                                                                                              [ ص: 126 ] الوجه الثالث: أن تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دل على أن تصوره لذلك ليس تاما، وإن كان قد يصور الخبر عنه، وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصور المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوب أو مكروه له، ولم يكذب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغول بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم" .

                                                                                                                                                                                              الوجه الرابع: أن كثيرا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض الله له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالما بأصل تحريمه وقبحه لكنه يكون جاهلا بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح، فجهله بذلك هو الذي جرأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالما بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشية من عقابه، ولهذا كان القول الصحيح الذي عليه السلف وأئمة السنة أنه يصح التوبة من بعض الذنوب دون بعض خلافا لبعض المعتزلة، فإن أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ولذلك قد يقهره هواه ويغلبه في أحدهما دون الآخر فيقلع عما لم يغلبه هواه دون ما غلبه فيه هواه، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودة لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودة؛ ولكنها غير تامة، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشد من [ ص: 127 ] المانع من الآخر .

                                                                                                                                                                                              الخامس: أن كل ما علم علما تاما جازما بأن فعل شيء يضره ضررا راجحا لم يفعله، فإن هذا خاصة العاقل، فإن نفسه تنصرف عما يعلم رجحان ضرره بالطبع، فإن الله جعل في النفس حبا لما ينفعها وبغضا لما يضرها، فلا يفعل ما يجزم بأنه يضرها ضررا راجحا، ولا يقع ذلك إلا مع ضعيف العقل; فإن السقوط من موضع عال، أو في نهر مغرق، والمرور تحت حائط يخشى سقوطه، ودخول نار متأججة، ورمي المال في البحر، ونحو ذلك، لا يفعله من هو تام العقل لعلمه بأن هذا ضرر ولا منفعة فيه، وإنما يفعله من لم يعلم ضرره كالصبي، والمجنون، والساهي، والغافل، وأما العاقل فلا يقدم على ما يضره مع علمه بما فيه من الضرر إلا لظنه أن منفعته راجحة إما بأن يجزم بأن ضرره مرجوح، أو يظن أن خيره راجح، كالذي يركب البحر ويسافر الأسفار الخطرة للربح فإنه لو جزم بأنه يغرق أو يخسر لما فعل ذلك وإنما أقدم عليه لترجيح السلامة عنده والربح، وإن كان قد يكون مخطئا في هذا الظن .

                                                                                                                                                                                              وكذلك الزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررا راجحا، أو ظن أنها تنفعهم نفعا راجحا، وذلك كله جهل إما بسيط وإما مركب، ولهذا يسمى حال فعل السيئات الجاهلية، فإن صاحبها في حال جاهلية، ولهذا كان الشيطان يزين السيئات ويأمر بها، ويذكر ما فيها من المحاسن التي يظن أنها منافع لا مضار كما أخبر الله عنه في قصة آدم أنه يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما [ ص: 128 ] قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون وقال تعالى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا وقال: كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون وتزيين أعمالهم يكون بواسطة الملائكة والأنبياء والمؤمنين للخير، وتزيين شياطين الإنس والجن للشر، وقال تعالى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم

                                                                                                                                                                                              ومثل هذا كثير فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظن أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته، بل يرجو العفو بحسنات أو توبة أو بعفو الله ونحو ذلك، وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة له من مواقعتها، ونبين هذا بـ:

                                                                                                                                                                                              الوجه السادس: وهو أن لذات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإن لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب الله، وقيل: "رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا" وما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها، كما لا يؤثر أكل الطعام المسموم للذته إلا من هو جاهل بحاله أو غير عاقل، ورجاؤه التخلص من شرها بتوبة أو عفو أو غير ذلك كرجاء آكل الطعام [ ص: 129 ] المسموم الطيب للخلاص من شر سمه بعلاج أو غيره، وهو في غاية الحمق والجهل، فقد لا يتمكن من التخلص منه بالكلية، فيقتله سمه، وقد لا يتخلص منه تخلصا تاما فيطول مرضه، وكذلك المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإن من وقع في ذنب تجرأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده" .

                                                                                                                                                                                              وقد دل على ذلك القرآن في غير موضع، وإذا قدر أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية، وإن قدر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على الندم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة; من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة" ويكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة التي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها .

                                                                                                                                                                                              وقد اختلف الناس في التائب، هل يمكن عوده إلى ما كان عليه قبل المعصية؟ على قولين معروفين، والقول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدراني وغيره، وكذلك اختلفوا في التوبة إذا استكملت شروطها، هل يجزم بقبولها؟ على قولين: فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنه لا يجزم بذلك، ولكن أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها، وإن قدر أنه عفي عنه من غير توبة فإن كان ذلك بسبب أمر مكفر عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقل أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة .

                                                                                                                                                                                              وإن عفي عنه بغير سبب من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لا بد أن [ ص: 130 ] يلحقه عقوبات كثيرة منها: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن الله تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وقال: أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار

                                                                                                                                                                                              ولهذا قال بعض السلف: عد أن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟ ولولا أن الله تعالى رضي أهل الجنة كلهم بما حصل لهم من المنازل لتقطعت أصحاب اليمين حسرات مما فاتهم من منازل المقربين مع إمكان مشاركتهم لهم في أعمالهم التي نالوا بها منازلهم العالية، وقد جاء في الأحاديث والآثار أنهم يقولون: ألم نكن مع هؤلاء في الدنيا؟ فيقال: كنتم تفطرون، وكانوا يصومون، وكنتم تنامون، وكانوا يقومون، وكنتم تبخلون، وكانوا ينفقون، ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                              وكذلك جاء: "أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون بريحه فيقولون: واها لهذه الريح، هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه" . هذا قد روي من حديث ابن مسعود مرفوعا، وروي من كلام كعب .

                                                                                                                                                                                              ومنها: ما يلحقه من الخجل والحياء من الله عز وجل عند عرضه عليه، وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداء، وقد أخبر بذلك بعض المحتضرين في زمان السلف عند احتضاره وكان أغمي عليه حتى ظن أنه مات، ثم أفاق فأخبر بذلك .

                                                                                                                                                                                              [ ص: 131 ] وجاء تصديق ذلك في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني الله عز وجل العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمر بالحسنة، فيبيض لها وجهه ويسر بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك، قال: فيخر لله ساجدا، قال: فيقول الله عز وجل: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمر بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟ قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك، قال: فلا يزال حسنة تقبل فيسجد، وسيئة تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                              ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى ، وعبد الله بن سلام ، وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد الله بن عمر الثابت في "الصحيح" - حديث النجوى - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبده فيضع عليه كنفه فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وغفرت ذلك لك اليوم" وهذا كله في حق من يريد الله أن يعفو عنه ويغفر له فما الظن بغيره؟ ولهذا في "مراسيل الحسن " عن النبي [ ص: 132 ] - صلى الله عليه وسلم - "إذا أراد الله أن يستر على عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ثم غفرها له" ولهذا كان أشهر القولين أن هذا الحكم عام في حق التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقي عن أكثر العلماء، واحتجوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا وقد نقل ذلك صريحا عن غير واحد من السلف كالحسن البصري وبلال بن سعد - حكيم أهل الشام - كما روى ابن أبي الدنيا ، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن: "أنه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل يمحى من صحيفته؟ قال: لا، دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه" ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن، وقال: لو لم تبك الأحياء من ذلك المقام لكان يحق لنا أن نبكي فنطيل البكاء" .

                                                                                                                                                                                              وذكر ابن أبي الدنيا عن بعض السلف أنه قال: "ما يمر علي أشد من الحياء من الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                              وفي الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيم وغيره عن علقمة بن مرثد : "أن الأسود بن يزيد لما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحق بذلك مني، والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل، لهمني الحياء منه مما قد صنعته، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيا منه" .

                                                                                                                                                                                              ومن هذا قول الفضيل بن عياض : "بالموقف واسوءتاه منك وإن عفوت" .

                                                                                                                                                                                              المقصود هنا أن آلام الذنوب ومشاقها وشداتها التي تزيد على لذاتها أضعافا مضاعفة، لا يتخلف عن صاحبها، لا مع توبة ولا عفو، فكيف إذا لم يوجد واحد منهما، ويتضح هذا بما نذكره في الوجه السابع .

                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية