الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1854 1955 - حدثنا إسحاق الواسطي، حدثنا خالد، عن الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لبعض القوم: "يا فلان، قم فاجدح لنا". فقال: يا رسول الله، لو أمسيت. قال: "انزل، فاجدح لنا". قال: يا رسول الله فلو أمسيت. قال: "انزل، فاجدح لنا". قال: إن عليك نهارا. قال: "انزل، فاجدح لنا". فنزل فجدح لهم، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا، فقد أفطر الصائم". [انظر: 1941 - مسلم: 1101 - فتح: 4 \ 196]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أقبل الليل من ها هنا .. " الحديث. وحديث ابن أبي أوفى السالف في باب: الصوم في السفر.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عمر أخرجه مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الترمذي : لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صحيح، وفي الباب عن أبي سعد الخير يعني: أن الله -عز وجل- لم يكتب على الليل الصيام، فمن صام فليتعن ولا أجر له ، [ ص: 390 ] وقال في "علله": سألت البخاري عنه، فقال: أراه مرسلا وقال: أرى عبادة سمع من أبي سعيد، وأبو فروة صدوق إلا أن ابنه محمدا روى عنه أحاديث مناكير .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "علل ابن أبي حاتم " قال أبي: الصحيح: أبو سعيد الخير .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 391 ] وقوله: " إذا أقبل الليل من ها هنا " إلى آخر الأمور الثلاثة، وإذا وجد واحد منها وجد الباقي وجمعت في الذكر; لأن الناظر قد لا يرى الغروب لحائل، ويرى ظلمة الليل في المشرق، وقد قام الإجماع على أنه إذا غربت الشمس حل فطر الصائم، وذلك آخر النهار وأول أوقات الليل.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى " أفطر ": أي حكما، أو دخل فيه كأنجد وأتهم إذا دخلهما، وعلى هذا لا يكون فيه تعرض للوصال بنفي، ولا إثبات، وعلى الحكمي فيه أن زمن الليل يستحيل فيه الصيام شرعا ويخرج على ذلك خلاف العلماء في صحة إمساك ما بعد الغروب فمنهم من قال: لا يصح وهو كيوم الفطر ومنع الوصال، وقال: لا يصح ومنهم من جوز إمساك ذلك الوقت، ورأى أن له أجر الصائم محتجا بأحاديث الوصال إلى الفجر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطبري : قوله: " فقد أفطر " هو عزم عليه أن يكون معتقد أنه مفطر وإن كان وقت صومه قد انقضى غير عزم عليه أن يأكل أو يشرب، قال: والدليل عليه إجماع الجميع من أهل العلم أن المراد قد يكون مفطرا بتركه العزم على الصوم من الليل مع تركه نية الصوم نهاره أجمع وإن لم يأكل ولم يشرب وكان معلوما بذلك أن اعتقاد المعتقد بعد انقضاء وقت الصوم الإفطار وترك الصوم وإن لم يفعل شيئا مما أبيح للمفطر فعله موجب له اسم المفطر، وإذا كان ذلك كذلك وكان الجميع مجمعين على أن الأكل والشرب غير فرض على الصائم في ذلك الوقت مع إجماعهم أن وقت الصوم قد انقضى لمجيء الليل وإدبار النهار كان بينا أن معنى أمره بالإفطار في تلك الحال إنما هو أمر عزم منه كما قلناه، وأما وصاله - عليه السلام - من السحر [ ص: 392 ] إلى السحر ، فلعل ذلك كان توخيا منه للنشاط على قيام الليل; فإنه كان إذا دخل العشر شد مئزره ورفع فراشه ; لأن الطعام مثقل للبدن مفتر عن الصلاة يجلب الغم، فكان - عليه السلام - يؤخر الإصابة من الطعام إلى السحر; إذ كان الله تعالى قد أعطاه من القوة على تأخير ذلك إلى ذلك الوقت والصبر عليه ما لم يعط غيره من أمته. وقد بين لهم ذلك بقوله: "إني لست مثلكم .. " إلى آخره. فأما الصوم ليلا فلا معنى له؟ لأنه غير وقت الصوم; لقوله: إلى "فقد أفطر الصائم" أي حل وقت فطره على ما سلف، ويأتي في باب: من كره الوصال ومن فعله من السلف. واضحا.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة: قرص الشمس في أثر أبي سعيد يعني: الصورة المستديرة، ومعنى الحديث: أن ما بقي من الحمرة ليس من النهار .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية