الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( السادسة : عصمتهم صلوات الله تعالى عليهم في تبليغ الدعوة والعمل بها ) :

                          من الشواهد عليها قوله - تعالى - : - فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك - 12 الآية .

                          المراد منها أنه لا يترك مما أوحي إليه شيئا لا يبلغه ، ( ومنها ) قوله حكاية عن نوح : - وما أنا بطارد الذين آمنوا - 29 الآية ، والنفي فيها للشأن ، أي : ما كان طردهم من شأني ، ولا مما يقع من نبي مثلي ، فأنا معصوم من إجابتكم إليه فلا تطمعن فيها ، والوعيد عليه في الآية ( 30 ) التي بعدها مبني على فرض وقوع الطرد منه المعبر عنه بأداة الشرط التي ليس من شأن فعلها أن يقع ، ( ومنها ) قول شعيب لقومه : - وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه - 88 وهو يدل على أن الرسول لا ينهى عن شيء لا ينتهي هو عنه ، فهو لا يخالف رسالته في شيء ، إذ لو خالفها لدحض حجته ، ونقض دعوته ، ( ومنها ) قوله لهم : - ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل - 93 الآية ، وما فيه من الوعيد .

                          فإن قيل : إن أمر الله - تعالى - ونهيه لهم بالتكاليف ، ووعيده على المخالفة والمعصية الشامل لهم ولأقوامهم والخاص بهم كقوله - تعالى - لنوح - إني أعظك أن تكون من الجاهلين - 46 واستعاذة نوح به - تعالى - من مخالفة الموعظة وقوله : - وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين - 47 وحكايتهم عن أنفسهم ما يعملون وما يتركون - كل هذا وأمثاله يدل على جواز وقوع المعصية منهم لا استحالته ، وفي بعضه ما يدل على وقوع الذنب بالفعل ، ومنه سؤال نوح ربه نجاة ولده الكافر ، وكونه من سؤال ما ليس له به علم ، وهو منهي عنه .

                          " قلت " : إن المتكلمين استدلوا على ما سموه عصمة الأنبياء بالعقل لا بالنقل ، وتأولوا الآيات والأحاديث الواردة بوقوع الذنوب منهم بله الدالة على إمكانها ، وليس المراد بدلالة العقل على عصمتهم أنها كعصمة الملائكة منافية لطباعهم ، فإن مما فضلوا به على الملائكة أنهم بشر كسائر البشر جبلوا على الشهوات الجسدية ، وداعية كل من المعصية والطاعة ، كما علم من قصة أبيهم آدم ، ولكنهم بقوة الإيمان ومعرفة الله - عز وجل - والخوف منه والرجاء فيه والحب له ، يرجحون الطاعة على المعصية بملكة راسخة فيهم ، يعصمهم الله [ ص: 176 ] - تعالى - بهم من الخطأ في التبليغ ، ومن الكتمان لشيء مما أمروا به منه ، ومن مخالفته ، ومن الرذائل والمعاصي المنافية للرسالة ، المبطلة للحجة ، دون الخطأ في الاجتهاد والرأي ، الذي لا يخالف نص الوحي ، فإذا وقع منهم بهذا الاجتهاد ما كان الخير والكمال لهم في علم الله خلافه بينه الله لهم تعليما ، وعلمهم ما هو الأليق بهم تربية وتكميلا ، ومنه اجتهاد نوح الذي رجح له بالحنان الأبوي جواز دخول ابنه الكافر فيمن وعده الله بنجاتهم كما بيناه في موضعه ، ولم يعلم أن سؤاله ربه ما ليس له به علم قطعي ممنوع إلا بعد أن سأله نجاة ولده فأجابه بهذه الموعظة ، وقد فصلنا هذه المسألة في تفسير أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الفداء من أسرى بدر من سورة الأنفال ( 8 : 67 ) وتفسير عتابه على الإذن لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك والعفو عنه من سورة التوبة ( 9 : 43 ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية